الدَّابر: آخر القوم الذي يَأتي من خَلْفِهِم، وهذه كناية عن استئصال شأفتهم، ومَحْوِ آثارهم، كأنهم وَرَدُوا العَذَابَ حتى ورد آخرهم الذي دَبَرَهُمْ، وحَسُنَ الحمد عَقِبَ هذه الآية لِجَمَالِ الأفعال المتقدمة في أن أرسل- سبحانه- الرسل، ولطف في الأَخْذِ بالبَأْسَاءِ والضَّرَّاءِ ليتضرع إليه، فيرحم، وينعم، وقطع في آخر الأمر دابر الظَّلَمَة، وذلك حَسَنٌ في نفسه، ونعمة على المؤمنين، فحسن الحَمْدُ عقب هذه الأفعال، وبحمده سبحانه ينبغي أن يُخْتَمَ كل فعل، وكل مَقَالٍ، إذ هو المحمود على كُلِّ حال لا رب غيره، ولا خير إلا خيره.
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47) وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (48) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (49)
وقوله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ ... الآية أَخَذَ معناه أَذْهَبَ، والضمير في بِهِ عائد على المأخوذ، ويَصْدِفُونَ معناه: يعرضون، وينفرون، ومنه قول الشاعر: [البسيط]
إذَا ذَكَرْنَ حَدِيثاً قُلْنَ أَحْسَنَهُ ... وَهُنَّ عَنْ كُلِّ سُوءٍ يُتَّقَى صُدُفُ «1»
وقوله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ بَغْتَةً ... الآية وعيد وتهديد.
قال ع «2» : أَرَأَيْتُمْ عند سيبويه: تَتَنَزَّلُ منزلةَ «أخبروني» ولذلك لا تَحْتَاجُ إلى مفعولين.
وقوله: بَغْتَةً: معناه: لم يتقدّم عندكم منه علم، وجَهْرَةً، معناه: تبدو لكم مَخَايلُهُ ومَبَاديه، ثم يتوالى حتّى ينزل.