وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (13)
قوله تعالى: وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا [13] أي فعلنا ذلك رحمة من لدنا بأبويه، وَزَكاةً [13] أي طهرناه من ظنون الخلق إليه فيه، وَكانَ تَقِيًّا [13] أي مقبلاً علينا، معرضاً عما سوانا. وقال: إن أحوال الأنبياء كلها محضة.
وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا (32)
وقوله: وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ [31] يعني آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر، وأرشد الضال، وأنصر المظلوم، وأغيث الملهوف.
قوله عزَّ وجلَّ: وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا [32] أي جاهلاً بأحكامه متكبراً على عبادته، وقال النبي صلى الله عليه وسلّم: «الكبرياء رداء الله من نازع الله فيه أكبه على منخره في النار» «1» .
وسئل عن قوله عزَّ وجلَّ: إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً [26] فقال: صمتاً عن الكل، إلا عن ذكرك، إذا سأل الصائم أن تقر عينه بك، ويسكن قلبه إليك لا إلى غيرك، فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا [26] .
[سورة مريم (19) : آية 52]
وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا (52)
قوله: وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا [52] أي مناجياً للمكاشفة التي لا تخفى من الحق على القلوب محادثة وودا، كما قال تعالى: سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا [96] أي مكاشفة تتخذ الأسرار من غير واسطة. وهذا مقام من الله للذين صدقوا الله في السر والعلانية.
[سورة مريم (19) : آية 61]
جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61)
قوله تعالى: جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ [61] يعني معاينة الحق بمعنى القرب الذي جعله بينه وبينهم، فيرى العبد قلبه في قرب الحق مشهوداً في غيب الغيب، وغيب الغيب هو نفس الروح وفهم العقل وفطنة المراد بالقلب، فإن نفس الروح موضع العقل، وهو موضع القدس، والقدس متصل بالعرش، وهو اسم من أسماء العرش، وجعل الله تعالى للنفس جزءاً من ألف جزء من الروح، بل أقل من ذلك، فإذا صارت إرادة الروح إرادة النفس أعطيا فيما بينهما الفطنة والذهن، والفطنة إمام الذهن، والفهم إمام الذهن، والفطنة حياة،