بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً (2)
قوله تعالى: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ [1] قال: كان تسعة نفر من نصيبين اليمن، والنفر اسم يقع على الثلاثة إلى العشرة، جاؤوا النبي صلى الله عليه وسلّم وهو يقرأ القرآن في الصلاة، وكانوا من أمثل قومهم في دينهم، فلما سمعوه رقوا له فآمنوا به، ورجعوا إلى قومهم منذرين. فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ [1- 2] يعني يدل على اتباع سنن المصطفى صلّى الله عليه وسلّم. وقال سهل: رأيت في دار عاد الأولى مدينة مبنية من حجر، فيها قصر عظيم منقور من حجر يأويه الجن، فدخلت القصر معتبراً، فرأيت شخصاً عظيماً قائماً يصلي نحو الكعبة، عليه جبة صوف بيضاء بها طراوة، فعجبت لطراوة جبته، وانتظرت حتى فرغ من صلاته، فقلت: السلام عليك. فقال: وعليك السلام يا أبا محمد، عجبت لطراوة جبتي وهي علي منذ تسعمائة سنة؟ فيها لقيت عيسى ابن مريم ومحمدا صلّى الله عليه وسلّم فآمنت بهما، واعلم يا أبا محمد أن الأبدان لا تخلق الثياب، وإنما يخلقهما مطاعم السحت والإصرار على الذنوب.
فقلت: ومن أنت؟ فقال: أنا من الذين قال الله تعالى في حقهم: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ [1] .
وسئل سهل: هل يدخل الجن الجنة؟ فقال: بلغني أن في الجنة براري يسكنها الجن، ويأكلون فيها ويشربون، وفي القرآن دليل عليه، قال تعالى: لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ [الرحمن: 74] .
وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18)
قوله تعالى: وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً [18] قال: أي لا تدعوا مع الله شريكاً، أي ليس لأحد معي شريك في شيء يمنع عبادي من ذكري، كذلك ما كان لله تعالى فهو على هذه الجهة، ليس لأحد فيه سبيل المنع والزجر.
[سورة الجن (72) : آية 22]
قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (22)
قوله تعالى: قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً [22] قال:
أمره بالافتقار واللجوء إليه، ثم بإظهارهما بقوله، ليزيد بذلك للكافرين ضلالاً وللمؤمنين إرشاداً، وهي كلمة الإخلاص في التوحيد. إذ حقيقة التوحيد هو النظر للحق لا غير، والإقبال عليه، والاعتماد، ولا يتم ذلك إلا بالإعراض عما سواه، وبإظهار الافتقار واللجوء إليه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.