بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً (2)
قوله تعالى: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً [1] قال: يعني أسرار العلوم في قلبك حتى ظهر عليك آثارها، وهي من أعلام المحبة وتمام النعمة. لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [2] قال: أي ما تقدم من ذنب أبيك آدم صلوات الله عليه وأنت في صلبه، وما تأخر من ذنوب أمتك، إذ كنت قائدهم ودليلهم.
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (4)
قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ [4] يعني الطمأنينة. فأول ما كاشف الله به عباده المعارف، ثم الوسائل، ثم السكينة، ثم البصائر. فمن كاشفه الحق بالبصائر عرف الأشياء بما فيها من الجواهر، كأبي بكر الصديق رضي الله عنه ما أخطأ في نطق.
قوله: وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [4] قال: جنوده مختلفة، فجنوده في السماء الأنبياء، وفي الأرض الأولياء وجنوده في السماء القلوب، وفي الأرض النفوس ما سلط الله عليك فهو من جنوده وإن سلط الله عليك نفسك أهلك نفسك بنفسك، وإن سلط عليك جوارحك أهلك جوارحك بجوارحك، وإن سلط نفسك على قلبك قادتك إلى متابعة الهوى، وإن سلط قلبك على نفسك وجوارحك زمها بالأدب، وألزمها العبادة، وزينها بالإخلاص في العبودية، فهذا كله جنود الله.
[سورة الفتح (48) : الآيات 8 الى 11]
إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (9) إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (10) سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (11)
قوله: إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً [8] قال: شاهداً عليهم بالتوحيد، ومبشراً لهم بالمعونة والتأييد، ومحذراً عن البدع والضلالات.
قوله: وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ [9] قال: أي تعظموه غاية التعظيم في قلوبكم، وتطيعوه بأبدانكم ولهذا سمى التعزير تعزيراً لأنه أكبر التأديب.
قوله: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [10] قال: أي حول الله وقوته فوق قوتهم وحركتهم، وهو قولهم للرسول صلّى الله عليه وسلّم عند البيعة: «بايعناك على أن لا نفر ونقاتل لك» . وفيها وجه آخر:
يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [10] أي منة الله عليهم في الهداية لبيعتهم وثوابه لهم فوق بيعتهم وطاعتهم لك.