فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4)
قوله تعالى: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ [4] يعني من قبل كل شيء، ومن بعد كل شيء، لأنه هو المبدئ والمعيد، سبق تدبيره في الخلق، لأنه عالم بهم في الأصل والفرع.
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (40) ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)
قوله: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ [40] قال: أفضل الرزق السكون إلى الرازق.
قوله ثُمَّ يُمِيتُكُمْ [40] يعني يهلككم. قال: إن الله تعالى خلق الخير والشر، ووضع الأمر والنهي، فاستعبدنا بالخير وقرنه بالتوفيق، ونهانا عن الشر وقد قرن ارتكابه بترك العصمة والخذلان، فالجميع خلقه، فمن وفق للخير وجب عليه الشكر، ومن ترك مع الشر وجب عليه الاستغاثة بالله عزَّ وجلَّ.
قوله تعالى: ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [41] قال: مثل الله تعالى الجوارح بالبر، ومثل القلب بالبحر، وهم أعم نفعاً وأكثر خطراً، هذا باطن الآية، ألا ترى أن القلب إنما سمي قلباً لتقلبه وبعد غوره، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلّم لأبي الدرداء «1» رضي الله عنه: «جدد السفينة فإن البحر عميق» «2» ، يعني جدد النية لله تعالى من قلبك، فإن البحر عميق، فحينئذ إذا صارت المعاملة في القلوب التي هي بحور ليس له منها مخرج، وخرجت النفس من الوسط، استراحت الجوارح، فصار صاحبها في كل يوم أقرب إلى غورها، وأبعد من نفسه حتى يصل.
وسئل عن معنى قوله صلّى الله عليه وسلّم: «من تواضع لغني ذهب ثلثا دينه» «3» فقال: للقلب ثلاث مقامات: جمهور القلب، ومقام اللسان من القلب، ومقام الجوارح من القلب. وقوله: «ذهب ثلثا دينه» يعني اشتغل من الثلاثة اثنان: اللسان وسائر الجوارح، وبقي الجمهور الذي لا يصل إليه أحد، وهو موضع إيمانه من القلب.