الْإِيمَانِ، وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ يَقُولُ: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} (إِبْرَاهِيمَ، 35) ، {لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ} أَيْ: عَنِ الْهُدَى.
{فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ} أَيْ: أَكْبَرُ مِنَ الْكَوْكَبِ وَالْقَمَرِ، وَلَمْ يَقُلْ هَذِهِ مَعَ أَنَّ الشَّمْسَ مُؤَنَّثَةٌ لِأَنَّهُ أَرَادَ هَذَا الطَّالِعَ، أَوْ رَدَّهُ إِلَى الْمَعْنَى، وَهُوَ الضِّيَاءُ وَالنُّورُ، لِأَنَّهُ رَآهُ أَضْوَأَ مِنَ النُّجُومِ وَالْقَمَرِ، {فَلَمَّا أَفَلَتْ} غَرَبَتْ، {قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ}
{وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِي وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) }
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِي} وَلَمَّا رَجَعَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى أَبِيهِ، وَصَارَ مِنَ الشَّبَابِ بِحَالَةٍ سَقَطَ عَنْهُ طَمَعُ الذَّبَّاحِينَ، وَضَمَّهُ آزَرُ إِلَى نَفْسِهِ جَعَلَ آزَرُ يَصْنَعُ الْأَصْنَامَ وَيُعْطِيهَا إِبْرَاهِيمَ لِيَبِيعَهَا، فَيَذْهَبُ بِهَا [إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ] (?) وَيُنَادِي مَنْ يَشْتَرِي مَا يَضُرُّهُ وَلَا يَنْفَعُهُ، فَلَا يَشْتَرِيهَا أَحَدٌ، فَإِذَا بَارَتْ عَلَيْهِ ذَهَبَ بِهَا إِلَى نَهَرٍ [فَضَرَبَ] (?) فِيهِ رُءُوسَهَا، وَقَالَ: اشْرَبِي، اسْتِهْزَاءً بِقَوْمِهِ، وَبِمَا هُمْ فِيهِ مِنَ الضَّلَالَةِ، حَتَّى فَشَا اسْتِهْزَاؤُهُ بِهَا فِي قَوْمِهِ [وَأَهْلِ] (?) قَرْيَتِهِ، فَحَاجَّهُ أَيْ خَاصَمَهُ وَجَادَلَهُ قَوْمُهُ فِي دِينِهِ، {قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ} قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَابْنُ عَامِرٍ بِتَخْفِيفِ النُّونِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِتَشْدِيدِهَا إِدْغَامًا لِإِحْدَى النُّونَيْنِ فِي الْأُخْرَى، وَمَنْ خَفَّفَ حَذَفَ إِحْدَى النُّونَيْنِ تَخْفِيفًا يَقُولُ: أَتُجَادِلُونَنِي فِي تَوْحِيدِ اللَّهِ، وَقَدْ هَدَانِي لِلتَّوْحِيدِ وَالْحَقِّ؟ {وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ} وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ: احْذَرِ الْأَصْنَامَ فَإِنَّا نَخَافُ أَنْ تَمَسَّكَ بِسُوءٍ مِنْ خَبَلٍ أَوْ جُنُونٍ لِعَيْبِكَ إِيَّاهَا، فَقَالَ لَهُمْ: وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ، {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا} وَلَيْسَ هَذَا بِاسْتِثْنَاءٍ عَنِ الْأَوَّلِ بَلْ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، مَعْنَاهُ لَكِنْ إِنْ يَشَأْ رَبِّي شيئا أي سوء، فَيَكُونُ مَا شَاءَ، {وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} أَيْ: أَحَاطَ عِلْمُهُ بِكُلِّ شَيْءٍ، {أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ}