مَصَعَ (?) مَلَكٌ يَسُوقُ السَّحَابَ وَقَالَ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ: الرَّعْدُ مَلَكٌ يُزْجِي السَّحَابَ فَإِذَا تَبَدَّدَتْ ضَمَّهَا فَإِذَا اشْتَدَّ غَضَبُهُ طَارَتْ مِنْ فِيهِ النَّارُ فَهِيَ الصَّوَاعِقُ، وَقِيلَ الرَّعْدُ صَوْتُ انْحِرَافِ الرِّيحِ بَيْنَ السَّحَابِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
{يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ} جَمْعُ صَاعِقَةٍ وَهِيَ الصَّيْحَةُ الَّتِي يَمُوتُ مَنْ يَسْمَعُهَا أَوْ يُغْشَى عَلَيْهِ. وَيُقَالُ لِكُلِّ عَذَابٍ مُهْلِكٍ: صَاعِقَةٌ، وَقِيلَ الصَّاعِقَةُ قِطْعَةُ عَذَابٍ يُنْزِلُهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مَنْ يَشَاءُ.
رُوِيَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا سَمِعَ صَوْتَ الرَّعْدِ وَالصَّوَاعِقِ قَالَ: "اللَّهُمَّ لَا تَقْتُلْنَا بِغَضَبِكَ وَلَا تُهْلِكْنَا بِعَذَابِكَ وَعَافِنَا قَبْلَ ذَلِكَ" (?) .
قَوْلُهُ {حَذَرَ الْمَوْتِ} أَيْ مَخَافَةَ الْهَلَاكِ {وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ} أَيْ عَالِمٌ بِهِمْ وَقِيلَ جَامِعُهُمْ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يجمعهم فيعذبهم. وقيلك مُهْلِكُهُمْ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى "إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ" (66-يُوسُفَ) أَيْ تُهْلَكُوا جَمِيعًا. وَيُمِيلُ أَبُو عَمْرٍو وَالْكِسَائِيُّ الْكَافِرِينَ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ وَالْخَفْضِ وَلَا يُمِيلَانِ: "أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ" (41-الْبَقَرَةِ) .
{يَكَادُ الْبَرْقُ} أَيْ يَقْرُبُ، يُقَالُ: كَادَ يَفْعَلُ إِذَا قَرُبَ وَلَمْ يَفْعَلْ {يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ} يَخْتَلِسُهَا وَالْخَطْفُ اسْتِلَابٌ بِسُرْعَةٍ {كُلَّمَا} حَرْفٌ جُمْلَةً ضُمَّ إِلَى مَا الْجَزَاءِ فَصَارَ أَدَاةً لِلتَّكْرَارِ وَمَعْنَاهُمَا مَتَى مَا {أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا} أَيْ وَقَفُوا مُتَحَيِّرِينَ، فَاللَّهُ تَعَالَى شَبَّهَهُمْ فِي كُفْرِهِمْ وَنِفَاقِهِمْ بِقَوْمٍ كَانُوا فِي مَفَازَةٍ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ أَصَابَهُمْ مَطَرٌ فِيهِ ظُلُمَاتٌ مِنْ صِفَتِهَا أَنَّ السَّارِيَ {لَا يُمْكِنُهُ} (?) الْمَشْيُ فِيهَا، وَرَعْدٌ مِنْ صِفَتِهِ أَنْ يَضُمَّ السَّامِعُونَ أَصَابِعَهُمْ إِلَى آذَانِهِمْ مِنْ هَوْلِهِ، وَبَرْقٌ مِنْ صِفَتِهِ أَنْ يَقْرُبَ مِنْ أَنْ يَخْطِفَ أَبْصَارَهُمْ وَيُعْمِيَهَا مِنْ شِدَّةِ تَوَقُّدِهِ، فَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْقُرْآنِ وَصَنِيعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ مَعَهُ، فَالْمَطَرُ الْقُرْآنُ لِأَنَّهُ حَيَاةُ الْجِنَانِ كَمَا أَنَّ الْمَطَرَ حَيَاةُ الْأَبْدَانِ، وَالظُّلُمَاتُ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذِكْرِ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ، وَالرَّعْدُ مَا خُوِّفُوا بِهِ مِنَ الْوَعِيدِ، وَذِكْرِ النَّارِ وَالْبَرْقُ مَا فِيهِ مِنَ الْهُدَى وَالْبَيَانِ وَالْوَعْدِ وَذِكْرِ الْجَنَّةِ.