{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) }
قَوْلُهُ {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} يَعْنِي مُشْرِكِي الْعَرَبِ قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي الْيَهُودَ. وَالْكُفْرُ هُوَ الْجُحُودُ وَأَصْلُهُ مِنَ الْكُفْرِ وَهُوَ السَّتْرُ وَمِنْهُ سُمِّيَ اللَّيْلُ كَافِرًا لِأَنَّهُ يَسْتُرُ الْأَشْيَاءَ بظلمته وسمي الزارع كَافِرًا لِأَنَّهُ يَسْتُرُ الْحَبَّ بِالتُّرَابِ وَالْكَافِرُ يَسْتُرُ الْحَقَّ بِجُحُودِهِ.
وَالْكُفْرُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْحَاءٍ: كُفْرُ إِنْكَارٍ، وَكُفْرُ جَحُودٍ، وَكُفْرُ عِنَادٍ، وَكُفْرُ نِفَاقٍ. فَكُفْرُ الْإِنْكَارِ: أَنْ لَا يَعْرِفَ اللَّهَ أَصْلًا وَلَا يَعْتَرِفَ بِهِ، وَكُفْرُ الْجَحُودِ هُوَ: أَنْ يَعْرِفَ اللَّهَ تَعَالَى بِقَلْبِهِ وَلَا يُقِرُّ بِلِسَانِهِ كَكُفْرِ إِبْلِيسَ (وَكُفْرِ) (?) الْيَهُودِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ" (89-الْبَقَرَةِ) وَكُفْرُ الْعِنَادِ هُوَ: أَنْ يَعْرِفَ اللَّهَ بِقَلْبِهِ وَيَعْتَرِفَ بِلِسَانِهِ وَلَا يَدِينُ بِهِ كَكُفْرِ أَبِي طَالِبٍ حَيْثُ يَقُولُ: وَلَقَدْ عَلِمْتُ بِأَنَّ دِينَ مُحَمَّدٍ ... مِنْ خَيْرِ أَدْيَانِ الْبَرِيَّةِ دِينًا
لَوْلَا الْمَلَامَةُ أَوْ حَذَارِ مَسَبَّةٍ ... لَوَجَدْتَنِي سَمْحًا بِذَاكَ مُبِينًا
وَأَمَّا كُفْرُ النِّفَاقِ: فَهُوَ أَنَّ يُقِرَّ بِاللِّسَانِ وَلَا يَعْتَقِدَ بِالْقَلْبِ، وَجَمِيعُ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ سَوَاءٌ فِي أَنَّ مَنْ لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى بِوَاحِدٍ مِنْهَا لَا يُغْفَرُ لَهُ.
قَوْلُهُ {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ} أَيْ: مُتَسَاوٍ لَدَيْهِمْ {أَأَنْذَرْتَهُمْ} خَوَّفْتَهُمْ وَحَذَّرْتَهُمْ وَالْإِنْذَارُ إِعْلَامٌ مَعَ تَخْوِيفٍ وَتَحْذِيرٍ وَكُلُّ مُنْذِرٍ مُعَلِّمٌ وَلَيْسَ كُلُّ مُعَلِّمٍ مُنْذِرًا وَحَقَّقَ ابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ الْهَمْزَتَيْنِ فِي "أَأَنْذَرْتَهُمْ" وَكَذَلِكَ كَلُّ هَمْزَتَيْنِ تَقَعَانِ فِي أَوَّلِ الْكَلِمَةِ وَالْآخَرُونَ يُلَيِّنُونَ الثَّانِيَةَ {أَمْ} حَرْفُ عَطْفٍ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ (لَمْ) حَرْفُ جَزْمٍ لَا تَلِي إِلَّا الْفِعْلَ لِأَنَّ الْجَزْمَ يَخْتَصُّ بِالْأَفْعَالِ {تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} وَهَذِهِ الْآيَةُ فِي أَقْوَامٍ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ الشَّقَاوَةِ فِي سَابِقِ عِلْمِ اللَّهِ ثُمَّ ذَكَرَ سَبَبَ تَرْكِهِمُ الْإِيمَانَ
فَقَالَ {خَتَمَ اللَّهُ} طَبَعَ اللَّهُ {عَلَى قُلُوبِهِمْ} فَلَا تَعِي خَيْرًا وَلَا تَفْهَمُهُ.