قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} أَيْ: يَعْهَدُ إِلَيْكُمْ وَيَفْرِضُ عَلَيْكُمْ فِي أَوْلَادِكُمْ، أَيْ: فِي أَمْرِ أَوْلَادِكُمْ إِذَا مِتُّمْ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. {فَإِنْ كُنَّ} يَعْنِي: الْمَتْرُوكَاتِ مِنَ الْأَوْلَادِ، {نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} أَيْ: ابْنَتَيْنِ فَصَاعِدًا {فَوْقَ} صِلَةٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: "فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ" (الْأَنْفَالِ -12) ، {فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ} يَعْنِي: الْبِنْتَ، {وَاحِدَةً} قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِالنَّصْبِ عَلَى خَبَرٍ كَانَ، وَرَفَعَهَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَلَى مَعْنَى: إِنْ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ، {فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ} يَعْنِي لِأَبَوَيِ الْمَيِّتِ، كِنَايَةً عَنْ غَيْرِ مَذْكُورٍ، {لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} أَرَادَ أَنَّ الْأَبَ وَالْأُمَّ يَكُونُ لِكُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سُدُسُ الْمِيرَاثِ عِنْدَ وُجُودِ الْوَلَدِ أَوْ وَلَدِ الِابْنِ، وَالْأَبُ يَكُونُ صَاحِبَ فَرْضٍ {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ {فَلِأُمِّهِ} بكسر الهمزة استثقلالا لِلضَّمَّةِ بَعْدَ الْكَسْرَةِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالضَّمِّ عَلَى الْأَصْلِ {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} اثْنَانِ أَوْ أَكْثَرُ ذُكُورًا أَوْ إِنَاثًا {فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} وَالْبَاقِي يَكُونُ لِلْأَبِ إِنْ كَانَ مَعَهَا أَبٌ، وَالْإِخْوَةُ لَا مِيرَاثَ لَهُمْ مَعَ الْأَبِ، وَلَكِنَّهُمْ يَحْجُبُونَ الْأُمَّ مِنَ الثُّلُثِ إِلَى السُّدُسِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَا يَحْجُبُ الْإِخْوَةُ الْأُمَّ مِنَ الثُّلُثِ إِلَى السُّدُسِ إِلَّا أَنْ يَكُونُوا ثَلَاثَةً، وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ، وَقَالَ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} وَلَا يُقَالُ لِلِاثْنَيْنِ إِخْوَةٌ، فَنَقُولُ اسْمُ الْجَمْعِ قَدْ يَقَعُ عَلَى التَّثْنِيَةِ لِأَنَّ الْجَمْعَ ضَمُّ شَيْءٍ إِلَى شَيْءٍ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الِاثْنَيْنِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا" (التَّحْرِيمِ -4) ذَكَرَ الْقَلْبُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَأَضَافَهُ إلى الاثنين 80/أ
قَوْلُهُ تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو بَكْرٍ {يُوصِي} بِفَتْحِ الصَّادِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَكَذَلِكَ الثَّانِيَةُ، وَوَافَقَ حَفْصَ فِي الثَّانِيَةِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِكَسْرِ الصَّادِ لِأَنَّهُ جَرَى ذِكْرُ الْمَيِّتِ مِنْ قَبْلُ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا} وَ {تُوصُونَ}
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه "إنكم تقرؤون الْوَصِيَّةَ قَبْلَ الدَّيْنِ، وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ" (?) . وَهَذَا إِجْمَاعٌ أَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ. وَمَعْنَى الْآيَةِ الْجَمْعُ لَا التَّرْتِيبُ، وَبَيَانُ أَنَّ