النُّعْمَانِ يَوْمَئِذٍ حِينَ وَقَعَتْ عَلَى وَجْنَتِهِ، فَرَدَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَانَهَا، فَعَادَتْ كَأَحْسَنِ مَا كَانَتْ.
فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدْرَكَهُ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ الْجُمَحِيُّ، وَهُوَ يَقُولُ: لَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَوْتَ فَقَالَ الْقَوْمُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا يَعْطِفَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَّا؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعُوهُ حَتَّى إِذَا دَنَا مِنْهُ وَكَانَ أُبَيٌّ قَبْلَ ذَلِكَ يَلْقَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ: عِنْدِي رَمْكَةٌ أَعْلِفُهَا كُلَّ يَوْمٍ فَرْقَ ذُرَةٍ أَقْتُلُكَ عَلَيْهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ أَنَا أَقْتُلُكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ تَنَاوَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَرْبَةَ مِنَ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَهُ فَطَعَنَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَدَشَهُ خَدْشَةً فَتَدَهْدَأَ عَنْ فَرَسِهِ وَهُوَ يَخُورُ كَمَا يَخُورُ الثَّوْرُ، وَيَقُولُ: قَتَلَنِي مُحَمَّدٌ، فَأَخَذَهُ أَصْحَابُهُ وَقَالُوا: لَيْسَ عَلَيْكَ بَأْسٌ قَالَ: بَلَى لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الطَّعْنَةُ بِرَبِيعَةَ وَمُضَرَ لَقَتَلَتْهُمْ، أَلَيْسَ قَالَ لِي: أَقْتُلُكَ؟ فَلَوْ بَزَقَ عَلَيَّ بَعْدَ تِلْكَ الْمَقَالَةِ لَقَتَلَنِي، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَوْمًا حَتَّى مَاتَ بِمَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ سَرِفَ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمُلَيْحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، أَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى مَنْ قتله نبي 70/ب وَاشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى مَنْ دَمَّى وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (?) .
قَالُوا: وَفَشَا فِي النَّاسِ أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ: لَيْتَ لَنَا رَسُولًا إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ فَيَأْخُذُ لَنَا أَمَانًا مِنْ أَبِي سُفْيَانَ، وَبَعْضُ الصَّحَابَةِ جَلَسُوا وَأَلْقَوْا بِأَيْدِيهِمْ، وَقَالَ أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ: إِنْ كَانَ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ فَالْحَقُوا بِدِينِكُمُ الْأَوَّلِ، فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ عَمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: يَا قَوْمُ إِنْ كَانَ قُتِلَ مُحَمَّدٌ فَإِنَّ رَبَّ مُحَمَّدٍ لَمْ يُقْتَلْ وَمَا تَصْنَعُونَ بِالْحَيَاةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَاتِلُوا عَلَى مَا قَاتَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُوتُوا عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا يَقُولُ هَؤُلَاءِ يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ، وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ هَؤُلَاءِ يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ، ثُمَّ شَدَّ بِسَيْفِهِ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ.
ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْطَلَقَ إِلَى الصَّخْرَةِ وَهُوَ يَدْعُو النَّاسَ فَأَوَّلُ مَنْ عَرَفَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ عَرَفْتُ عَيْنَيْهِ تَحْتَ الْمِغْفَرِ تُزْهِرَانِ فَنَادَيْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أَبْشِرُوا هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَشَارَ إِلَيَّ أَنِ اسْكُتْ فَانْحَازَتْ إِلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَامَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْفِرَارِ فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا، أَتَانَا الْخَبَرُ بِأَنَّكَ قَدْ قُتِلْتَ فَرُعِبَتْ قُلُوبُنَا فَوَلَّيْنَا مُدْبِرِينَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ (?) {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ}