{وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} نَطْلُبُ مِنْكَ الْمَعُونَةَ عَلَى عِبَادَتِكَ وَعَلَى جَمِيعِ أُمُورِنَا فَإِنْ قِيلَ: لِمَ قَدَّمَ ذِكْرَ الْعِبَادَةِ عَلَى الِاسْتِعَانَةِ وَالِاسْتِعَانَةُ تَكُونُ قَبْلَ الْعِبَادَةِ؟ فَلِهَذَا يَلْزَمُ مَنْ يَجْعَلُ الِاسْتِطَاعَةَ قَبْلَ الْفِعْلِ. وَنَحْنُ بِحَمْدِ اللَّهِ نَجْعَلُ التَّوْفِيقَ (وَالِاسْتِعَانَةَ) (?) مَعَ الْفِعْلِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ وَيُقَالُ: الِاسْتِعَانَةُ نَوْعُ تَعَبُّدٍ فَكَأَنَّهُ ذَكَرَ جُمْلَةَ الْعِبَادَةِ أَوَّلًا ثُمَّ ذَكَرَ مَا هُوَ مِنْ تَفَاصِيلِهَا.
قَوْلُهُ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} اهْدِنَا أَرْشِدْنَا وَقَالَ عَلِيٌّ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: ثَبِّتْنَا كَمَا يُقَالُ لِلْقَائِمِ قُمْ حَتَّى أَعُودَ إِلَيْكَ أَيْ دُمْ عَلَى مَا أَنْتَ عَلَيْهِ. وَهَذَا الدُّعَاءُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ كَوْنِهِمْ عَلَى الْهِدَايَةِ بِمَعْنَى التَّثْبِيتِ وَبِمَعْنَى طَلَبِ مَزِيدِ الْهِدَايَةِ لِأَنَّ الْأَلْطَافَ وَالْهِدَايَاتِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَتَنَاهَى عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ "الصِّرَاطَ" وَسِرَاطَ بِالسِّينِ رَوَاهُ أُوَيْسٌ عَنْ يَعْقُوبَ وَهُوَ الْأَصْلُ، سُمِّيَ سِرَاطًا لِأَنَّهُ يَسْرُطُ السَّابِلَةَ، وَيُقْرَأُ بِالزَّايِ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ بِإِشْمَامِ الزَّايِ، وَكُلُّهَا لُغَاتٌ صَحِيحَةٌ، وَالِاخْتِيَارُ: الصَّادُ، عِنْدَ أَكْثَرِ الْقُرَّاءِ لِمُوَافَقَةِ الْمُصْحَفِ.
وَالصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: هُوَ الْإِسْلَامُ وَهُوَ قَوْلُ مُقَاتِلٍ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هو القرآن 5/أوَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا "الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ كِتَابُ اللَّهِ" (?) وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: طَرِيقُ الْجَنَّةِ. وَقَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: طَرِيقُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ. وَقَالَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ: طَرِيقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَالْحَسَنُ: رَسُولِ اللَّهِ وَآلِهِ وَصَاحِبَاهُ] (?) وَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ الطَّرِيقُ الْوَاضِحُ.
قَوْلُهُ {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} أَيْ مَنَنْتَ عَلَيْهِمْ بِالْهِدَايَةِ وَالتَّوْفِيقِ قَالَ عِكْرِمَةُ: مَنَنْتَ عَلَيْهِمْ بِالثَّبَاتِ عَلَى الْإِيمَانِ وَالِاسْتِقَامَةِ وَهُمُ الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَقِيلَ: هُمْ كُلُّ مَنْ ثَبَّتَهُ اللَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ "فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ" (69-النِّسَاءِ) الْآيَةَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُمْ قَوْمُ مُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ قَبْلَ أَنْ غَيَّرُوا دِينَهُمْ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابن زَيْدٍ: هُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: هُمْ آلُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَأَهْلُ بَيْتِهِ وَقَالَ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ: هُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلُ بَيْتِهِ.
قَرَأَ حَمْزَةُ: عَلَيْهُمْ وَلَدَيْهُمْ وَإِلَيْهُمْ بِضَمِّ هَاءَاتِهَا، وَيَضُمُّ يَعْقُوبُ كُلَّ هَاءٍ قَبْلَهَا يَاءٌ سَاكِنَةٌ تَثْنِيَةً وَجَمْعًا إِلَّا قَوْلَهُ "بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ" (12-الْمُمْتَحِنَةِ) وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِكَسْرِهِمَا، فَمَنْ ضَمَّ الْهَاءَ رَدَّهَا إِلَى الْأَصْلِ لِأَنَّهَا مَضْمُومَةٌ عِنْدَ الِانْفِرَادِ وَمَنْ (كَسَرَهَا) (?) فَلِأَجْلِ الْيَاءِ السَّاكِنَةِ وَالْكَسْرَةُ أُخْتُ الْيَاءِ وَضَمَّ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ كُلَّ مِيمِ جَمْعٍ مُشْبِعًا فِي الْوَصْلِ إِذَا لَمْ يَلْقَهَا سَاكِنٌ فَإِنْ لَقِيَهَا سَاكِنٌ فَلَا يُشْبِعُ، وَنَافِعٌ يُخَيِّرُ، وَيَضُمُّ وَرْشٌ عِنْدَ أَلِفِ