{إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64) }
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ} النَّبَأُ الْحَقُّ {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ} وَ"مِنْ" صِلَةٌ تَقْدِيرُهُ وَمَا إِلَهٌ إِلَّا اللَّهُ {وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}
{فَإِنْ تَوَلَّوْا} أَعْرَضُوا عَنِ الْإِيمَانِ {فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ} الَّذِينَ يَعْبُدُونَ غَيْرَ اللَّهِ، وَيَدْعُونَ النَّاسَ إِلَى عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} الْآيَةَ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: قَدِمَ وَفْدُ نَجْرَانَ الْمَدِينَةَ فَالْتَقَوْا مَعَ الْيَهُودِ فَاخْتَصَمُوا فِي إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَزَعَمَتِ النَّصَارَى أَنَّهُ كَانَ نَصْرَانِيًّا وَهُمْ عَلَى دِينِهِ وَأَوْلَى النَّاسِ بِهِ، وَقَالَتِ الْيَهُودُ: بَلْ كَانَ يَهُودِيًّا وَهُمْ عَلَى دِينِهِ وَأَوْلَى النَّاسِ بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كِلَا الْفَرِيقَيْنِ بَرِيءٌ مِنْ إِبْرَاهِيمَ وَدِينِهِ بَلْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَأَنَا عَلَى دِينِهِ فَاتَّبِعُوا دِينَهُ دِينَ الْإِسْلَامِ، فَقَالَتِ الْيَهُودُ: يَا مُحَمَّدُ مَا تُرِيدُ إِلَّا أَنْ نَتَّخِذَكَ رِبًّا كَمَا اتَّخَذَتِ النَّصَارَى عِيسَى رَبًّا، وَقَالَتِ النَّصَارَى: يَا مُحَمَّدُ مَا تُرِيدُ إِلَّا أَنْ نَقُولَ فِيكَ مَا قَالَتِ الْيَهُودُ فِي عُزَيْرٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ} (?) وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ قِصَّةٍ لَهَا شَرْحٌ كَلِمَةً وَمِنْهُ سُمِّيَتِ الْقَصِيدَةُ كَلِمَةً {سَوَاءٍ} عَدْلٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ مُسْتَوِيَةٍ، أَيْ أَمْرٍ مُسْتَوٍ يُقَالُ: دَعَا فَلَانَ إِلَى السَّوَاءِ، أَيْ إِلَى النَّصَفَةِ، وَسَوَاءُ كُلِّ شَيْءٍ وَسَطُهُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: " فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ " (55 -الصَّافَّاتِ) وَإِنَّمَا قِيلَ لِلنِّصْفِ سَوَاءٌ لِأَنَّ أَعْدَلَ الْأُمُورِ وَأَفْضَلَهَا أَوْسَطُهَا وَسَوَاءٌ نَعْتٌ لِكَلِمَةٍ إِلَّا أَنَّهُ مَصْدَرٌ، وَالْمَصَادِرُ لَا تُثَنَّى وَلَا تُجْمَعُ وَلَا تُؤَنَّثُ، فَإِذَا فَتَحْتَ السِّينَ مَدَدْتَ، وَإِذَا كَسَرْتَ أَوْ ضَمَمْتَ قَصَرْتَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: "مَكَانًا سُوًى" (58 -طه) ثُمَّ فَسَّرَ الْكَلِمَةَ فَقَالَ: {أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ} وَمَحَلُّ أَنْ رَفْعٌ عَلَى إِضْمَارِ هِيَ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: