{قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (41) وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) }
قَوْلُهُ تَعَالَى {قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً} أَيْ عَلَامَةً أَعْلَمُ بِهَا وَقْتَ حَمْلِ امْرَأَتِي فَأَزِيدُ فِي الْعِبَادَةِ شُكْرًا لَكَ {قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ} تَكُفَّ عَنِ الْكَلَامِ {ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ} وَتُقْبِلَ بِكُلِّيَّتِكَ عَلَى عِبَادَتِي، لَا أَنَّهُ حَبَسَ لِسَانَهُ عَنِ الْكَلَامِ، وَلَكِنَّهُ نَهْيٌ عَنِ الْكَلَامِ وَهُوَ صَحِيحٌ سَوِيٌّ، كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ مَرْيَمَ الْآيَةَ (10) {أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} فَأَمَرَهُ بِالذِّكْرِ وَنَهَاهُ عَنْ كَلَامِ النَّاسِ.
وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: عَقَلَ لِسَانَهُ عَنِ الْكَلَامِ مَعَ النَّاسِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَقَالَ قَتَادَةُ: أَمْسَكَ لِسَانَهُ عَنِ الْكَلَامِ عُقُوبَةً لَهُ لِسُؤَالِهِ الْآيَةَ بَعْدَ مُشَافَهَةِ الْمَلَائِكَةِ إِيَّاهُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْكَلَامِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَقَوْلُهُ {إِلَّا رَمْزًا} أَيْ إِشَارَةً، وَالْإِشَارَةُ قَدْ تَكُونُ بِاللِّسَانِ وَبِالْعَيْنِ وَبِالْيَدِ، وَكَانَتْ إِشَارَتُهُ بِالْإِصْبَعِ الْمُسَبِّحَةِ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: قَدْ يَكُونُ الرَّمْزُ بِاللِّسَانِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُبَيِّنَ، وَهُوَ الصَّوْتُ الْخَفِيُّ أَشْبَهَ الْهَمْسَ، وَقَالَ عَطَاءٌ: أَرَادَ بِهِ صَوْمَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِأَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا صَامُوا لَمْ يَتَكَلَّمُوا إِلَّا رَمْزًا {وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} قِيلَ: الْمُرَادُ بِالتَّسْبِيحِ الصَّلَاةُ، وَالْعَشِيُّ مَا بَيْنَ زَوَالِ الشَّمْسِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَمِنْهُ سُمِّيَ صَلَاةُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ صَلَاتَيِ الْعَشِيِّ، وَالْإِبْكَارُ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْفَجْرِ إِلَى الضُّحَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ} يَعْنِي جِبْرِيلَ {يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ} اخْتَارَكِ {وَطَهَّرَكِ} قِيلَ مِنْ مَسِيسِ الرِّجَالِ وَقِيلَ مِنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، قَالَ السُّدِّيُّ: كَانَتْ مَرْيَمُ لَا تَحِيضُ، وَقِيلَ: مِنَ الذُّنُوبِ {وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} قِيلَ: عَلَى عَالَمِي زَمَانِهَا وَقِيلَ: عَلَى جَمِيعِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ فِي أَنَّهَا وَلَدَتْ بِلَا أَبٍ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ، وَقِيلَ: بِالتَّحْرِيرِ فِي الْمَسْجِدِ وَلَمْ تُحَرَّرْ أُنْثَى.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمُلَيْحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ رَجَاءٍ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ عَنْ هِشَامٍ أَخْبَرَنَا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " (?) وَرَوَاهُ وَكِيعٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَأَشَارَ وَكِيعٌ