29

وَمَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَهَى الْمُؤْمِنِينَ عَنْ مُوَالَاةِ الْكُفَّارِ وَمُدَاهَنَتِهِمْ وَمُبَاطَنَتِهِمْ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْكُفَّارُ غَالِبِينَ ظَاهِرِينَ، أَوْ يَكُونَ الْمُؤْمِنُ فِي قَوْمٍ كُفَّارٍ يَخَافُهُمْ فَيُدَارِيهِمْ بِاللِّسَانِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَحِلَّ دَمًا حَرَامًا أَوْ مَالًا حَرَامًا، أَوْ يُظْهِرَ الْكُفَّارَ عَلَى عَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَالتَّقِيَّةُ لَا تَكُونُ إِلَّا مَعَ خَوْفِ الْقَتْلِ وَسَلَامَةِ النِّيَّةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: " إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ " (106 -النَّحْلِ) ثُمَّ هَذَا رُخْصَةٌ، فَلَوْ صَبَرَ حَتَّى قُتِلَ فَلَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ وَأَنْكَرَ قَوْمٌ التَّقِيَّةَ [الْيَوْمَ] (?) قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَمُجَاهِدٌ: كَانَتِ التَّقِيَّةُ فِي [بُدُوِّ] (?) الْإِسْلَامِ قَبْلَ اسْتِحْكَامِ الدِّينِ وَقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا الْيَوْمَ فَقَدْ أَعَزَّ اللَّهُ الْإِسْلَامَ فَلَيْسَ يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ أَنْ يَتَّقُوا مِنْ عَدُوِّهِمْ، وَقَالَ يَحْيَى الْبَكَّاءُ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي أَيَّامِ الْحَجَّاجِ: إِنَّ الْحَسَنَ كَانَ يَقُولُ لَكُمُ التَّقِيَّةُ بِاللِّسَانِ وَالْقَلْبُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ؟ فَقَالَ سَعِيدٌ: لَيْسَ فِي الْإِسْلَامِ تَقِيَّةٌ إِنَّمَا التَّقِيَّةُ فِي أَهْلِ الْحَرْبِ {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} أَيْ يُخَوِّفُكُمُ اللَّهُ عُقُوبَتَهُ عَلَى مُوَالَاةِ الْكُفَّارِ وَارْتِكَابِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَمُخَالَفَةِ الْمَأْمُورِ {وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ}

{قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29) }

طور بواسطة نورين ميديا © 2015