أَخْرَجَتْ {سَبْعَ سَنَابِلَ} جَمْعُ سُنْبُلَةٍ {فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ} فَإِنْ قِيلَ فَمَا رَأَيْنَا سُنْبُلَةً فِيهَا مِائَةُ حَبَّةٍ فَكَيْفَ ضَرَبَ الْمَثَلَ بِهِ؟ قِيلَ: ذَلِكَ مُتَصَوَّرٌ، غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ، وَمَا لَا يَكُونُ مُسْتَحِيلًا جَازَ ضَرْبُ الْمَثَلِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ، مَعْنَاهُ: {فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ} فَمَا حَدَثَ مِنَ الْبَذْرِ الَّذِي كَانَ فِيهَا كَانَ مُضَاعَفًا إِلَيْهَا وَكَذَلِكَ تَأَوَّلَهُ الضَّحَّاكُ فَقَالَ: كُلُّ سُنْبُلَةٍ أَنْبَتَتْ مِائَةَ حَبَّةٍ {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} قِيلَ مَعْنَاهُ يُضَاعِفُ هَذِهِ الْمُضَاعَفَةَ لِمَنْ يَشَاءُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ يُضَاعِفُ عَلَى هَذَا وَيَزِيدُ لِمَنْ يَشَاءُ مَا بَيْنَ سَبْعٍ إِلَى سَبْعِينَ إِلَى سَبْعِمِائَةٍ إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ مِنَ الْأَضْعَافِ مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ {وَاللَّهُ وَاسِعٌ} غَنِيٌّ يُعْطِي عَنْ سَعَةٍ {عَلِيمٌ} بِنِيَّةِ مَنْ يُنْفِقُ مَالَهُ.
{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264) }
قَوْلُهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} قَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، جَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ صَدَقَةً إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَانَتْ عِنْدِي ثَمَانِيَةُ آلَافٍ فَأَمْسَكْتُ مِنْهَا لِنَفْسِي وَعِيَالِي أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَأَرْبَعَةَ آلَافٍ أَقْرَضْتُهَا رَبِّي، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَارَكَ اللَّهُ فِيمَا أَمْسَكْتَ لَكَ وَفِيمَا أَعْطَيْتَ، وَأَمَّا عُثْمَانُ فَجَهَّزَ جَيْشَ الْمُسْلِمِينَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ بِأَلْفِ بَعِيرٍ بِأَقْتَابِهَا (?) وَأَحْلَاسِهَا (?) فَنَزَلَتْ فِيهِمَا هَذِهِ الْآيَةُ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ: جَاءَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَلْفِ دِينَارٍ فِي جَيْشِ الْعُسْرَةِ فَصَبَّهَا فِي حِجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدْخِلُ فِيهَا يَدَهُ وَيُقَلِّبُهَا وَيَقُولُ "مَا ضَرَّ ابْنَ عَفَّانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ" (?) فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} فِي طَاعَةِ اللَّهِ {ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا}