وَقَالَ شَمْرُ بْنُ عَطِيَّةَ: جَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى كَعْبِ الْأَحْبَارِ فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: "إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ" قَالَ: إِنْ رُوحَ الْفَاجِرِ يُصْعَدُ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ فَتَأْبَى السَّمَاءُ أَنْ تَقْبَلَهَا ثُمَّ يُهْبَطُ بِهَا إِلَى الْأَرْضِ، فَتَأْبَى الأرض أن تقبل فَتَدْخُلُ تَحْتَ سَبْعِ أَرْضِينَ حَتَّى يُنْتَهَى بِهَا إِلَى سِجِّينٍ، وَهُوَ مَوْضِعُ جُنْدِ إِبْلِيسَ، فَيَخْرُجُ لَهَا مِنْ سِجِّينٍ رَقٌّ، فَيُرْقَمُ وَيُخْتَمُ، وَيُوضَعُ تَحْتَ جُنْدِ إِبْلِيسَ، لِمَعْرِفَتِهَا الْهَلَاكَ بِحِسَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ (?) وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، قَالَ: سَجِينٌ تَحْتَ جُنْدِ إِبْلِيسَ.
وَقَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: هِيَ الْأَرْضُ السُّفْلَى، وَفِيهَا إِبْلِيسُ وَذُرِّيَّتُهُ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هِيَ صَخْرَةٌ تَحْتَ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ السُّفْلَى خَضْرَاءُ، خُضْرَةُ السَّمَاوَاتِ مِنْهَا يُجْعَلُ كِتَابُ الْفُجَّارِ فِيهَا.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا قَالَ: "سَجِينٌ" صَخْرَةٌ تَحْتَ الْأَرْضِ السُّفْلَى، تُقْلَبُ، فَيُجْعَلُ كِتَابُ الْفُجَّارِ فِيهَا. وَقَالَ وَهْبٌ: هِيَ آخِرُ سُلْطَانِ إِبْلِيسَ.
وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "الْفَلَقُ جُبٌّ، فِي جَهَنَّمَ مغطى، وسجين حب فِي جَهَنَّمَ مَفْتُوحٌ" (?) .
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: "لَفِي سِجِّينٍ" أَيْ: لَفِي خَسَارٍ وَضَلَالٍ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: هُوَ فِعِّيلٌ مِنَ السِّجْنِ، كَمَا يُقَالُ: فِسِّيقٌ وَشِرِّيبٌ، مَعْنَاهُ: لَفِي حَبْسٍ وَضِيقٍ شَدِيدٍ.
{وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ (8) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (9) }
{وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ} [قَالَ الزَّجَّاجُ] (?) أَيْ لَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا كُنْتَ تَعْلَمُهُ أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ.
{كِتَابٌ مَرْقُومٌ} لَيْسَ هَذَا تَفْسِيرُ السَّجِينِ، بَلْ هُوَ بَيَانُ الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ: "إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ" أَيْ هُوَ كِتَابٌ مَرْقُومٌ، أَيْ مَكْتُوبٌ فِيهِ أَعْمَالُهُمْ مُثْبَتَةٌ عَلَيْهِمْ كَالرَّقْمِ فِي الثَّوْبِ، لَا يُنْسَى وَلَا يُمْحَى حَتَّى يُجَازَوْا بِهِ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ: رُقِمَ عَلَيْهِ بِشُرَكَائِهِ كَأَنَّهُ أُعْلِمَ بِعَلَامَةٍ يُعْرَفَ بِهَا أَنَّهُ