وَقَالَ مُجَاهِدٌ: بِأَوَّلِ عَمَلِهِ وَآخِرِهِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: بِمَا قَدَّمَ فِي أَوَّلِ عُمُرِهِ وَمَا أَخَّرَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ.
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: بِمَا قَدَّمَ مِنْ أَمْوَالِهِ لِنَفْسِهِ وَمَا أَخَّرَ خَلْفَهُ لِلْوَرَثَةِ (?)
{بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15) لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) }
{بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} قَالَ عِكْرِمَةُ، وَمُقَاتِلٌ، وَالْكَلْبِيُّ: مَعْنَاهُ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ نَفْسِهِ رُقَبَاءُ يَرْقُبُونَهُ وَيَشْهَدُونَ عَلَيْهِ بِعَمَلِهِ، وَهِيَ سَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَجَوَارِحُهُ (?) وَدَخَلَ الْهَاءُ فِي الْبَصِيرَةِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِنْسَانِ هَاهُنَا جَوَارِحُهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ "بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ" يَعْنِي: لِجَوَارِحِهِ، فَحَذَفَ حَرْفَ الْجَرِّ كَقَوْلِهِ: "وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ" (الْبَقَرَةِ-233) أَيْ لِأَوْلَادِكُمْ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِاسْمٍ مُؤَنَّثٍ أَيْ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ عَيْنٌ بَصِيرَةٌ.
وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ، وَعَطَاءٌ: بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ شَاهَدٌ، وَهِيَ رِوَايَةُ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْهَاءُ فِي "بَصِيرَةٍ" لِلْمُبَالِغَةِ، دَلِيلُ هَذَا التَّأْوِيلِ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: "كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا" (الْإِسْرَاءِ-14) . {وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} يَعْنِي يَشْهَدُ عَلَيْهِ الشَّاهِدُ وَلَوِ اعْتَذَرَ وَجَادَلَ عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَنْفَعْهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: "يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ" (غَافِرٍ-52) وَهَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَابْنِ زَيْدٍ وَعَطَاءٍ: قَالَ الْفَرَّاءُ: وَلَوِ اعْتَذَرَ فَعَلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ مَنْ يُكَذِّبُ عُذْرَهُ وَمَعْنَى الْإِلْقَاءِ: الْقَوْلُ، كما قال: "وألقوا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ" (النَّحْلِ-86) . وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ: "وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ" يَعْنِي: وَلَوْ أَرْخَى السُّتُورَ وَأَغْلَقَ الْأَبْوَابَ. وَأَهْلُ الْيَمَنِ يُسَمُّونَ السِّتْرَ: مِعْذَارًا، وَجَمْعُهُ: مَعَاذِيرُ، وَمَعْنَاهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ: وَإِنْ أَسْبَلَ السِّتْرَ لِيُخْفِيَ مَا يَعْمَلُ، فَإِنَّ نَفْسَهُ شَاهِدَةٌ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ}
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: "لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ" قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ