عَلَيْهِ. فَدَخَلَ فَقَتَلَهَا، ثُمَّ انْطَلَقَ بِهَا فَدَفْنَهَا إِلَى جَانِبِ الْجَبَلِ، فَجَاءَ الشَّيْطَانُ وَهُوَ يَدْفِنُهَا لَيْلًا فَأَخَذَ بِطَرَفِ إِزَارِهَا، فَبَقِيَ طَرَفٌ خَارِجًا مِنَ التُّرَابِ، ثُمَّ رَجَعَ بَرْصِيصَا إِلَى صَوْمَعَتِهِ فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ إِذْ جَاءَ إِخْوَتُهَا يَتَعَاهَدُونَ أُخْتَهُمْ، وَكَانُوا يَجِيئُونَ فِي طَرَفِ الْأَيَّامِ يَسْأَلُونَ عَنْهَا وَيُوصُونَهُ بِهَا، فَقَالُوا: يَا بَرْصِيصَا مَا فَعَلَتْ أُخْتُنَا؟ قَالَ: قَدْ جَاءَ شَيْطَانُهَا فَذَهَبَ بِهَا وَلَمْ أُطِقْهُ، فَصَدَّقُوهُ وَانْصَرَفُوا فَلَمَّا أَمْسَوْا وَهُمْ مَكْرُوبُونَ جَاءَ الشَّيْطَانُ إِلَى أَكْبَرِهِمْ فِي مَنَامِهِ فَقَالَ: وَيْحَكَ إِنَّ بَرْصِيصَا فَعَلَ بِأُخْتِكَ كَذَا وَكَذَا وَإِنَّهُ وَدَفْنَهَا فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ الْأَخُ فِي نَفْسِهِ: هَذَا حُلْمٌ وَهُوَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ، فَإِنَّ بَرْصِيصَا خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: فَتَتَابَعَ عَلَيْهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ فَلَمْ يَكْتَرِثْ. فَانْطَلَقَ إِلَى الْأَوْسَطِ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَقَالَ الْأَوْسَطُ مِثْلَ مَا قَالَهُ الْأَكْبَرُ، فَلَمْ يُخْبِرْ أَحَدًا، فَانْطَلَقَ إِلَى أَصْغَرِهِمْ بِمِثْلِ ذَلِكَ، فَقَالَ أَصْغَرُهُمْ لِأَخَوَيْهِ: وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ كَذَا وَكَذَا، وَقَالَ الْأَوْسَطُ: وَأَنَا وَاللَّهِ قَدْ رأيت مثله 160/أوَقَالَ الْأَكْبَرُ: وَأَنَا رَأَيْتُ مَثَلَهُ، فَانْطَلَقُوا إِلَى بَرْصِيصَا وَقَالُوا: يَا بَرْصِيصَا مَا فَعَلَتْ أُخْتُنَا؟ قَالَ: أَلَيْسَ قَدْ أَعْلَمْتُكُمْ بِحَالِهَا؟ فَكَأَنَّكُمُ اتَّهَمْتُمُونِي؟ فَقَالُوا: وَاللَّهِ لَا نَتَّهِمُكَ، وَاسْتَحْيَوْا مِنْهُ فَانْصَرَفُوا، فَجَاءَهُمُ الشَّيْطَانُ فَقَالَ: وَيْحَكُمْ إِنَّهَا لَمَدْفُونَةٌ فِي مَوْضِعِ كَذَا، وَإِنَّ طَرَفَ إِزَارِهَا خَارِجٌ مِنَ التُّرَابِ. فَانْطَلَقُوا فَرَأَوْا أُخْتَهُمْ عَلَى مَا رَأَوْا فِي النَّوْمِ، فَمَشَوْا فِي مَوَالِيهِمْ وغلمانهم ومعهم الفئوس وَالْمَسَاحِي فَهَدَمُوا صَوْمَعَتَهُ وَأَنْزَلُوهُ، ثُمَّ كَتَّفُوهُ فَانْطَلَقُوا بِهِ إِلَى الْمَلِكِ فَأَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الشَّيْطَانَ أَتَاهُ فَقَالَ: تَقْتُلُهَا ثُمَّ تُكَابِرُ يَجْتَمِعُ عَلَيْكَ أَمْرَانِ: قَتْلٌ وَمُكَابَرَةٌ اعْتَرِفْ. فَلَمَّا اعْتَرَفَ أَمَرَ الْمَلِكُ بِقَتْلِهِ وَصَلْبِهِ عَلَى خَشَبَةِ، فَلَمَّا صُلِبَ أَتَاهُ الْأَبْيَضُ فَقَالَ: يَا بَرْصِيصَا أَتَعْرِفُنِي؟ قَالَ: لَا قَالَ: أَنَا صَاحِبُكَ الَّذِي عَلَّمْتُكَ الدَّعَوَاتِ فَاسْتُجِيبَ لَكَ، وَيْحَكَ مَا اتَّقَيْتَ اللَّهَ فِي أَمَانَتِكَ! خُنْتَ أَهْلَهَا وَإِنَّكَ زَعَمْتَ أَنَّكَ أَعْبَدُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَمَا اسْتَحْيَيْتَ؟ فَلَمْ يَزَلْ يُعَيِّرُهُ، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ ذَلِكَ: أَلَمْ يَكْفِكَ مَا صَنَعْتَ حَتَّى أَقْرَرْتَ عَلَى نَفْسِكَ وَفَضَحْتَ نَفْسَكَ وَفَضَحْتَ أَشْبَاهَكَ مِنَ النَّاسِ؟ فَإِنْ مِتَّ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يُفْلِحْ أَحَدٌ مِنْ نُظَرَائِكَ، قَالَ: فَكَيْفَ أَصْنَعُ قَالَ: تُطِيعُنِي فِي خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى أُنْجِيَكَ مِمَّا أَنْتِ فِيهِ فَآخُذُ بِأَعْيُنِهِمْ فَأُخْرِجَكَ مِنْ مَكَانِكَ! قَالَ: وَمَا هِيَ قَالَ تَسْجُدُ لِي [قَالَ: مَا أَسْتَطِيعُ. قَالَ: افْعَلْ] (?) فَسَجَدَ لَهُ فَقَالَ: يَا بَرْصِيصَا هَذَا الَّذِي كُنْتُ أَرَدْتُ مِنْكَ، صَارَتْ عَاقِبَةُ أَمْرِكِ إِلَى أَنْ كَفَرْتَ بربك، إني برئ مِنْكَ "إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ" (?) .