فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ: "قُلْ أُوحِي إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ"، (الْجِنِّ-1) وَإِنَّمَا أَوْحَى إِلَيْهِ قَوْلَ الْجِنِّ (?) .

وَرُوِيَ: أَنَّهُمْ لَمَّا رَجَعُوا بِالشُّهُبِ بَعَثَ إِبْلِيسُ سَرَايَاهُ لِتَعْرِفَ الْخَبَرَ، وَكَانَ أَوَّلُ بَعْثٍ بَعَثَ رَكْبًا مِنْ أَهْلِ نَصِيبِينَ، وَهْمُ أَشْرَافُ الْجِنِّ وَسَادَاتُهُمْ، فَبَعَثَهُمْ إِلَى تِهَامَةَ.

وَقَالَ أَبُو حَمْزَةَ [الثُّمَّالِيُّ] (?) : بَلَغَنَا أَنَّهُمْ مَنَّ الشَّيْصَبَانِ وَهُمْ أَكْثَرُ الْجِنِّ عَدَدًا، وَهُمْ عَامَّةُ جُنُودِ إِبْلِيسَ، فَلَمَّا رَجَعُوا قَالُوا: "إِنَّا سَمِعَنَا قُرْآنًا عَجَبًا".

وَقَالَ جَمَاعَةٌ: بَلْ أُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُنْذِرَ الْجِنَّ وَيَدْعُوَهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيَقْرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، فَصَرَفَ إِلَيْهِ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ مِنْ أَهْلِ نِينَوَى، وَجَمْعَهُمْ لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَقْرَأَ عَلَى الْجِنِّ اللَّيْلَةَ، فَأَيُّكُمْ يَتْبَعُنِي؟ فَأَطْرَقُوا ثُمَّ اسْتَتْبَعَهُمْ فَأَطْرَقُوا، ثُمَّ اسْتَتْبَعَهُمُ الثَّالِثَةَ فَأَطْرَقُوا، فَاتَّبَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَلَمْ يَحْضُرْ مَعَهُ أَحَدٌ غَيْرِي، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا عَلَى مَكَّةَ دَخَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِعْبًا يُقَالُ لَهُ: شِعْبُ الْحَجُونِ، وَخَطَّ لِي خَطًّا ثُمَّ أَمَرَنِي أَنْ أَجْلِسَ فِيهِ، وَقَالَ: لَا تَخْرُجْ مِنْهُ حَتَّى أَعُودَ إِلَيْكَ، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى قَامَ فَافْتَتَحَ الْقُرْآنَ، فَجَعَلْتُ أَرَى أَمْثَالَ النُّسُورِ تَهْوِي، وَسَمِعْتُ لَغَطًا شَدِيدًا حَتَّى خِفْتُ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَغَشِيَتْهُ أَسْوِدَةٌ كَثِيرَةٌ حَالَتْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، حَتَّى مَا أَسْمَعُ صَوْتَهُ، ثُمَّ طَفِقُوا يَتَقَطَّعُونَ مِثْلَ قِطَعِ السَّحَابِ ذَاهِبِينَ، فَفَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الْفَجْرِ، فَانْطَلَقَ إِلَيَّ وَقَالَ: أَنِمْتَ؟ فَقُلْتُ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَقَدْ هَمَمْتُ مِرَارًا أَنْ أَسْتَغِيثَ بِالنَّاسِ حَتَّى سَمِعْتُكَ تَقْرَعُهُمْ بِعَصَاكَ، تَقُولُ: اجْلِسُوا، قَالَ: لَوْ خَرَجْتَ لَمْ آمَنْ عَلَيْكَ أَنْ يَتَخَطَّفَكَ بَعْضُهُمْ، ثُمَّ قَالَ: هَلْ رَأَيْتَ شَيْئًا؟ قُلْتُ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُ رِجَالًا سُودًا مُسْتَثْفِرِي ثِيَابٍ بِيضٍ، قَالَ: أُولَئِكَ جِنُّ نَصِيبِينَ سَأَلُونِي الْمَتَاعَ -وَالْمَتَاعُ الزَّادُ-فَمَتَّعَتْهُمْ بِكُلِّ عَظْمٍ حَائِلٍ وَرَوْثَةٍ وَبَعْرَةٍ.

قَالَ: فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ تُقَذِّرُهَا النَّاسُ، فَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُسْتَنْجَى بِالْعَظْمِ وَالرَّوَثِ.

قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا يُغْنِي ذَلِكَ عَنْهُمْ؟ قَالَ: إِنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ عَظْمًا إِلَّا وَجَدُوا عَلَيْهِ لَحْمَهُ يَوْمَ أُكِلَ، وَلَا رَوْثَةً إِلَّا وَجَدُوا فِيهَا حَبَّهَا يَوْمَ أُكِلَتْ، قَالَ فَقُلْتُ: يا رسول 125/ب اللَّهِ سَمِعْتُ لَغَطًا شَدِيدًا؟ فَقَالَ: إِنَّ الْجِنَّ تَدَارَأَتْ فِي قَتِيلٍ قُتِلَ بَيْنَهُمْ فَتَحَاكَمُوا إِلَيَّ فَقَضَيْتُ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ، قَالَ: ثُمَّ تَبَرَّزَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَتَانِي، فَقَالَ: هَلْ مَعَكَ مَاءٌ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَعِي إِدَاوَةٌ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ نَبِيذِ التَّمْرِ، فَاسْتَدْعَاهُ فَصَبَبْتُ عَلَى يَدِهِ فَتَوَضَّأَ وَقَالَ: "تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ" (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015