{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (16) وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17) }
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ: "إِحْسَانًا" [كَقَوْلِهِ تَعَالَى: "وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا" (الْبَقَرَةِ-83) ] (?) {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا} يُرِيدُ شِدَّةَ الطَّلْقِ. قَرَأَ أَهْلُ الْحِجَازِ وَأَبُو عَمْرٍو "كَرْهًا" بِفَتْحِ الْكَافِ فِيهِمَا، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِضَمِّهِمَا. {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ} فِطَامُهُ، وَقَرَأَ يَعْقُوبُ: "وَفَصْلُهُ" بِغَيْرِ أَلْفٍ، {ثَلَاثُونَ شَهْرًا} يُرِيدُ أَقَلَّ مُدَّةَ الْحَمْلِ، وَهِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَأَكْثَرَ مُدَّةِ الرِّضَاعِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ شَهْرًا.
وَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إِذَا حَمَلَتِ الْمَرْأَةُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ أَرْضَعَتْ إِحْدَى وَعِشْرِينَ شَهْرًا، وَإِذَا حَمَلَتْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ أَرْضَعَتْ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ شَهْرًا (?) {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ} نِهَايَةَ قُوَّتِهِ، وَغَايَةَ شَبَابِهِ وَاسْتِوَائِهِ، وَهُوَ مَا بَيْنَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً إِلَى أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً} .
وَقَالَ السُّدِّيُّ وَالضَّحَّاكُ: نَزَلَتْ فِي سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَقَدْ مَضَتِ الْقِصَّةُ. (?)
وَقَالَ الْآخَرُونَ: نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَأَبِيهِ أَبِي قُحَافَةَ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرٍو، وَأُمِّهِ أُمِّ الْخَيْرِ بِنْتِ صَخْرِ بْنِ عَمْرٍو.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ، أَسْلَمَ أَبَوَاهُ جَمِيعًا، وَلَمْ يَجْتَمِعْ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَبَوَاهُ غَيْرُهُ، أَوْصَاهُ اللَّهُ بِهِمَا، وَلَزِمَ ذَلِكَ مِنْ بَعْدِهِ (?) .
وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةٍ، فِي تِجَارَةٍ إِلَى الشَّامِ، فَلَمَّا بَلَغَ أربعين سنة ونبيء النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمَنَ بِهِ وَدَعَا رَبَّهُ (?) فَـ {قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي}