الْجَمْعِ أَيْ: بِالطُّرُقِ الَّتِي تُؤَدِّيهِمْ إِلَى الْفَوْزِ وَالنَّجَاةِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: "بِمَفَازَتِهِمْ" عَلَى الْوَاحِدِ لِأَنَّ الْمَفَازَةَ بِمَعْنَى الْفَوْزِ، أَيْ: يُنَجِّيهِمْ بِفَوْزِهِمْ مِنَ النَّارِ بِأَعْمَالِهِمُ الْحَسَنَةِ، قَالَ الْمُبَرِّدُ: الْمَفَازَةُ مَفْعَلَةٌ مِنَ الْفَوْزِ، وَالْجَمْعُ حَسَنٌ كَالسَّعَادَةِ وَالسَّعَادَاتِ {لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ} لَا يُصِيبُهُمُ الْمَكْرُوهُ، {وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} .
{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (63) قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66) وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) }
{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} أَيِ: الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا مَوْكُولَةٌ إِلَيْهِ فَهُوَ الْقَائِمُ بِحِفْظِهَا. {لَهُ مَقَالِيدُ السموات وَالْأَرْضِ} مَفَاتِيحُ خَزَائِنِ السموات والأرض واحدها 108/أمِقْلَادٌ، مِثْلُ مِفْتَاحٌ، وَمِقْلِيدٌ مِثْلُ مِنْدِيلٌ وَمَنَادِيلَ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ: مَفَاتِيحُ السموات وَالْأَرْضِ بِالرِّزْقِ وَالرَّحْمَةِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: خَزَائِنُ الْمَطَرِ وَخَزَائِنُ النَّبَاتِ. {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} ؟ قَالَ مُقَاتِلٌ: وَذَلِكَ أَنَّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ دَعَوْهُ إِلَى دِينِ آبَائِهِ. قَرَأَ أَهْلُ الشَّامِ "تَأْمُرُونَنِي" بِنُونَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ عَلَى الْأَصْلِ، وَقَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بِنُونٍ وَاحِدَةٍ خَفِيفَةٍ عَلَى الْحَذْفِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِنُونٍ وَاحِدَةٍ مُشَدَّدَةٍ عَلَى الْإِدْغَامِ.
{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} الَّذِي عَمِلْتَهُ قَبْلَ الشِّرْكِ وَهَذَا خِطَابٌ مَعَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ غَيْرُهُ. وَقِيلَ: هَذَا أَدَبٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ وَتَهْدِيدٌ لِغَيْرِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ تعالى عَصَمَهُ مِنَ الشِّرْكِ. {وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} .
{بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} لِإِنْعَامِهِ عَلَيْكَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} مَا عَظَّمُوهُ حَقَّ عَظَمَتِهِ حِينَ أَشْرَكُوا بِهِ غَيْرَهُ، ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْ عَظَمَتِهِ فَقَالَ: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}