يَنْصَرِفُ ثُمَّ يَعُودُ إِلَى بَلَدِهِ (?) ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَرَجَ مِنَ الْغَارِ مُهَاجِرًا إِلَى الْمَدِينَةِ سَارَ فِي غَيْرِ الطَّرِيقِ مَخَافَةَ الطَّلَبِ، فَلَمَّا أَمِنَ وَرَجَعَ إِلَى الطَّرِيقِ نَزَلَ الْجُحْفَةَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَعَرَفَ الطَّرِيقَ إِلَى مَكَّةَ اشْتَاقَ إِلَيْهَا، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَالَ: أَتَشْتَاقُ إِلَى بَلَدِكَ وَمَوْلِدِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} (?) ، وَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ بِالْجُحْفَةِ لَيْسَتْ بِمَكِّيَّةٍ وَلَا مَدَنِيَّةٍ (?) .
وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: "لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ" إِلَى الْمَوْتِ (?) . وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَعِكْرِمَةُ: إِلَى الْقِيَامَةِ (?) . وَقِيلَ: إِلَى الْجَنَّةِ (?) . {قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى} [أَيْ: يَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى] (?) ، وَهَذَا جَوَابٌ لِكُفَّارِ مَكَّةَ لَمَّا قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكَ لَفِي ضَلَالٍ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: قُلْ لَهُمْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى، يَعْنِي نَفْسَهُ، {وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ، وَمَعْنَاهُ: أَعْلَمُ بِالْفَرِيقَيْنِ.
{وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ (86) }
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ} أَيْ: يُوحَى إِلَيْكَ الْقُرْآنُ، {إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} قَالَ الْفَرَّاءُ: هَذَا مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ، مَعْنَاهُ: لَكِنَّ رَبَّكَ رَحِمَكَ فَأَعْطَاكَ الْقُرْآنَ، {فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ} أَيْ: مُعِينًا لَهُمْ عَلَى دِينِهِمْ. قَالَ مُقَاتِلٌ: وَذَلِكَ حِينَ دُعِيَ إِلَى دِينِ آبَائِهِ فَذَكَرَ اللَّهُ نِعَمَهُ وَنَهَاهُ عَنْ مُظَاهَرَتِهِمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ.