60

{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً} لَعِبْرَةً، {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} قُدْرَتَنَا. {وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} يُقَالُ: كَانَ النَّاجُونَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةَ آلَافٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ} وَهِيَ الْفِعْلَةُ الْقَبِيحَةُ، {وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} أَيْ: تَعْلَمُونَ أَنَّهَا فَاحِشَةٌ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ يَرَى بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَكَانُوا لَا يَسْتَتِرُونَ عُتُوًّا مِنْهُمْ. {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} مِنْ أَدْبَارِ الرِّجَالِ. {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا} قَضَيْنَا عَلَيْهَا وَجَعَلْنَاهَا بِتَقْدِيرِنَا، {مِنَ الْغَابِرِينَ} أَيِ: الْبَاقِينَ فِي الْعَذَابِ. {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا} وَهُوَ الْحِجَارَةُ، {فَسَاءَ} فَبِئْسَ، {مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ} قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} هَذَا خِطَابٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرَ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ عَلَى هَلَاكِ كُفَّارِ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ. وَقِيلَ: عَلَى جَمِيعِ نِعَمِهِ. {وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} قَالَ مُقَاتِلٌ: هُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُرْسَلُونَ (?) دَلِيلُهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: "وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ".

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي مَالِكٍ هُمْ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (?) . وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هُمْ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (?) . وَقِيلَ: هُمْ كُلُّ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ السَّابِقِينَ وَاللَّاحِقِينَ (?) {آللَّهُ خَيْرٌ أَمْ مَا يُشْرِكُونَ} قَرَأَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ وَعَاصِمٌ: {يُشْرِكُونَ} بِالْيَاءِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّاءِ، يُخَاطِبُ أَهْلَ مَكَّةَ، وَفِيهِ إِلْزَامُ الْحُجَّةِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ بَعْدَ هَلَاكِ الْكُفَّارِ، يَقُولُ: آللَّهُ خَيْرٌ لِمَنْ عَبَدَهُ، أَمِ الْأَصْنَامُ لِمَنْ عَبَدَهَا؟ وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ نَجَّى مَنْ عَبَدَهَ مِنَ الْهَلَاكِ، وَالْأَصْنَامُ لَمْ تُغْنِ شَيْئًا عَنْ عَابِدِيهَا عِنْدَ نُزُولِ الْعَذَابِ.

{أَمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمْ مَنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61) }

{أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ} مَعْنَاهُ آلِهَتُكُمْ خَيْرٌ أَمِ الذي خلق السموات وَالْأَرْضَ، {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} يَعْنِي الْمَطَرَ، {فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ} ؟ بَسَاتِينَ جَمْعُ حَدِيقَةٍ، قَالَ الْفَرَّاءُ: الْحَدِيقَةُ الْبُسْتَانُ الْمُحَاطُ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَائِطٌ فَلَيْسَ بِحَدِيقَةٍ، {ذَاتَ بَهْجَةٍ} أَيْ: مَنْظَرٍ حَسَنٍ، وَالْبَهْجَةُ: الْحُسْنُ يَبْتَهِجُ بِهِ مَنْ يَرَاهُ، {مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا} أَيْ: مَا يَنْبَغِي لَكُمْ، لِأَنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَيْهَا. {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} اسْتِفْهَامٌ عَلَى طَرِيقِ الْإِنْكَارِ، أَيْ: هَلْ مَعَهُ مَعْبُودٌ سِوَاهُ أَعَانَهُ عَلَى صُنْعِهِ؟ بَلْ لَيْسَ مَعَهُ إِلَهٌ. {بَلْ هُمْ قَوْمٌ} يَعْنِي كُفَّارَ مَكَّةَ، {يَعْدِلُونَ} يُشْرِكُونَ. {أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا} لَا تَمِيدُ بِأَهْلِهَا، {وَجَعَلَ خِلَالَهَا} وَسَطَهَا (?) {أَنْهَارًا} تَطْرُدُ بِالْمِيَاهِ، {وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ} جِبَالًا ثَوَابِتَ، {وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ} الْعَذْبِ وَالْمَالِحِ، {حَاجِزًا}

طور بواسطة نورين ميديا © 2015