وَرُوِيَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَلَهُ مَنْزِلَانِ مَنْزِلٌ فِي الْجَنَّةِ وَمَنْزِلٌ فِي النَّارِ، فَإِنْ مَاتَ وَدَخَلَ النَّارَ وِرْثَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مَنْزِلَهُ" (?) وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ}
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لِكُلِّ وَاحِدٍ مَنْزِلٌ فِي الْجَنَّةِ وَمَنْزِلٌ فِي النَّارِ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَبْنِي مَنْزِلَهُ الَّذِي لَهُ فِي الْجَنَّةِ وَيَهْدِمُ مَنْزِلَهُ الَّذِي لَهُ فِي النَّارِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيَهْدِمُ مَنْزِلَهُ الَّذِي فِي الْجَنَّةِ وَيَبْنِي مَنْزِلَهُ الَّذِي فِي النَّارِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى الْوِرَاثَةِ هُوَ أَنَّهُ يَئُولُ أَمْرُهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَيَنَالُونَهَا، كَمَا يَئُولُ أَمْرُ الْمِيرَاثِ إِلَى الْوَارِثِ.
{الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) }
قَوْلُهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ} وَهُوَ أَعْلَى الْجَنَّةِ قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي سُورَةِ الْكَهْفِ (?) {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} لَا يَمُوتُونَ وَلَا يَخْرُجُونَ، وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ بِيَدِهِ: خَلَقَ آدَمَ بِيَدِهِ، وَكَتَبَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ، وَغَرَسَ الْفِرْدَوْسَ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَعِزَّتِي لَا يَدْخُلُهَا مُدْمِنُ خَمْرٍ، وَلَا دَيُّوثٌ" (?) . قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ} يَعْنِي: وَلَدَ آدَمَ، وَ"الْإِنْسَانُ" اسْمُ الْجِنْسِ، يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ، {مِنْ سُلَالَةٍ} رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: السُّلَالَةُ صَفْوَةُ الْمَاءِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مِنْ بَنِي آدَمَ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هُوَ يُسِيلُ مِنَ الظَّهْرِ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي النُّطْفَةَ سُلَالَةً، وَالْوَلَدَ سَلِيلًا وَسُلَالَةً، لِأَنَّهُمَا مَسْلُولَانِ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: {مِنْ طِينٍ} يَعْنِي: طِينَ آدَمَ. وَالسُّلَالَةُ تَوَلَّدَتْ مِنْ طِينٍ خُلِقَ آدَمُ مِنْهُ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: مِنْ نُطْفَةٍ سُلَّتْ مِنْ طِينٍ، وَالطِّينُ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقِيلَ الْمُرَادُ مِنَ الْإِنْسَانِ هُوَ آدَمُ. وَقَوْلُهُ: "مِنْ سُلَالَةٍ: أَيْ: سُلَّ مِنْ كُلِّ تُرْبَةٍ. {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً} يَعْنِي الَّذِي هُوَ الْإِنْسَانُ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً، {فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} حَرِيزٍ، وَهُوَ الرَّحِمُ مُكّن [أَيْ قَدْ هُيِّئَ] (?) لِاسْتِقْرَارِهَا فِيهِ إِلَى بُلُوغِ أَمَدِهَا.