78

وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ هَاهُنَا، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ.

وَعِدَّةُ سُجُودِ الْقُرْآنِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهَا ثَلَاثٌ فِي الْمُفْصَّلِ.

وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمُفْصَّلِ سُجُودٌ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَجَدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِي "اقْرَأْ" وَ"إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ" (?) وَأَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْإِسْلَامِ.

وَاخْتَلَفُوا فِي سُجُودِ صاد، فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ: إِلَى أَنَّهُ سُجُودُ شُكْرٍ لَيْسَ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ، وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (?) وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يَسْجُدُ فِيهَا، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمْرَ، وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، فَعِنْدَ ابْنِ الْمُبَارَكِ، وَإِسْحَاقَ، وَأَحْمَدَ، وَجَمَاعَةٍ: سُجُودُ الْقُرْآنِ خَمْسَةَ عَشْرَةَ سَجْدَةً، فَعَدُّوا سَجْدَتَيِ الْحَجِّ وَسَجْدَةَ ص، وَرُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ العَاصِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَأَهُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَجْدَةً فِي الْقُرْآنِ (?) .

{وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78) }

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} قِيلَ: جَاهِدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَعْدَاءَ اللَّهِ "حَقَّ جِهَادِهِ" هُوَ اسْتِفْرَاغُ الطَّاقَةِ فِيهِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: لَا تَخَافُوا فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ فَهُوَ حَقُّ الْجِهَادِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} (المَائِدَةِ: 54) .

قَالَ الضَّحَّاكُ وَمُقَاتِلٌ: اعْمَلُوا لِلَّهِ حَقَّ عَمَلِهِ وَاعْبُدُوهُ حَقَّ عِبَادَتِهِ.

وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ: نَسَخَهَا قَوْلُهُ (?) {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (التَّغَابُنِ: 16) ، وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: "حَقُّ الْجِهَادِ": أَنْ تَكُونَ نِيَّتُهُ خَالِصَةً صَادِقَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: هُوَ أَنْ يُطَاعَ فَلَا يُعْصَى.

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: هُوَ مُجَاهَدَةُ النَّفْسِ وَالْهَوَى، وَهُوَ الْجِهَادُ الْأَكْبَرُ، وَهُوَ حَقُّ الْجِهَادِ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكٍ قَالَ: "رَجَعْنَا مِنَ الْجِهَادِ الْأَصْغَرِ إِلَى الْجِهَادِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015