وَقَالَ آخَرُونَ: الْمُرَادُ مِنْهُ جَمِيعُ الْحَرَمِ، وَمَعْنَى التَّسْوِيَةِ: أَنَّ الْمُقِيمَ وَالْبَادِيَ سَوَاءٌ فِي النُّزُولِ بِهِ، لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَحَقَّ بالمَنْزِلِ يَكُونُ فِيهِ مِنَ الْآخَرِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يزعج فيه أحد إِذَا كَانَ قَدْ سَبَقَ إِلَى مَنْزِلٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةَ وَابْنِ زَيْدٍ، قَالُوا: هُمَا سَوَاءٌ فِي [الْبُيُوتِ] (?) وَالْمَنَازِلِ.

وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَابِطٍ: كَانَ الْحُجَّاجُ إِذَا قَدِمُوا مَكَّةَ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ بِأَحَقَّ بِمَنْزِلِهِ مِنْهُمْ. وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَنْهَى النَّاسَ أَنْ يُغْلِقُوا أَبْوَابَهُمْ فِي الْمَوْسِمِ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ دُورِ مَكَّةَ وَإِجَارَتُهَا، وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ -وَهُوَ الْأَقْرَبُ إِلَى الصَّوَابِ -يَجُوزُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ} (الحَجِّ: 40) ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: "مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ" (?) فَنَسَبَ الدَّارَ إِلَيْهِ نَسَبَ مِلْكٍ، وَاشْتَرَى عُمْرُ دَارًا لِلسِّجْنِ بِمَكَّةَ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهَا. وَهَذَا قَوْلُ طَاوُسٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} أَيْ: فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ وَهُوَ الْمَيْلُ إِلَى الظُّلْمِ، الْبَاءُ فِي قَوْلِهِ "بِإِلْحَادٍ" زَائِدَةٌ كَقَوْلِهِ: {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} (المُؤْمِنُونَ: 20) ، وَمَعْنَاهُ مَنْ يُرِدْ فِيهِ إِلْحَادًا بِظُلْمٍ، قَالَ الْأَعْشَى: "ضَمِنَتْ بِرِزْقِ عِيَالِنَا أَرْمَاحُنَا"، أَيْ: رِزْقَ عِيَالِنَا. وَأَنْكَرَ الْمُبْرَدُ أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ زَائِدَةً وَقَالَ: مَعْنَى الْآيَةِ مَنْ تَكُنْ إِرَادَتُهُ فِيهِ بِأَنْ يُلْحِدَ بِظُلْمٍ.

وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْإِلْحَادِ، فَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: هُوَ الشِّرْكُ وَعِبَادَةُ غَيْرِ اللَّهِ.

وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ كُلُّ شَيْءٍ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ حَتَّى شَتْمِ الْخَادِمِ.

وَقَالَ عَطَاءٌ: هُوَ دُخُولُ الْحَرَمِ غَيْرَ مُحْرِمٍ، أَوِ ارْتِكَابُ شَيْءٍ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْحَرَمِ، مِنْ قَتْلِ صَيْدٍ، أَوْ قَطْعِ شَجَرٍ.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ أَنْ تَقْتُلَ فِيهِ مَنْ لَا يَقْتُلُكَ، أَوْ تَظْلِمَ فِيهِ مَنْ لَا يَظْلِمُكَ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الضَّحَّاكِ.

وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: تُضَاعَفُ السَّيِّئَاتُ بِمَكَّةَ كَمَا تُضَاعَفُ الْحَسَنَاتُ.

وَقَالَ حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ: وَهُوَ احْتِكَارُ الطَّعَامِ بِمَكَّةَ.

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} قَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا هَمَّ بِخَطِيئَةٍ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ، مَا لَمْ يَعْمَلْهَا، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا هَمَّ بِقَتْلِ رَجُلٍ بِمَكَّةَ وَهُوَ بِعَدَنِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015