قَالَ مُجَاهِدٌ: سُجُودُهَا تَحَوُّلُ ظِلَالِهَا. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: مَا فِي السَّمَاءِ نَجْمٌ وَلَا شَمْسٌ وَلَا قَمَرٌ إِلَّا يَقَعُ سَاجِدًا حِينَ يَغِيبُ ثُمَّ لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يُؤْذَنَ لَهُ، فَيَأْخُذَ ذَاتَ الْيَمِينِ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى مَطْلَعِهِ. وَقِيلَ: سُجُودُهَا بِمَعْنَى الطَّاعَةِ فَإِنَّهُ مَا مِنْ جَمَادٍ إِلَّا وَهُوَ مُطِيعٌ لِلَّهِ خَاشِعٌ لَهُ مُسَبِّحٌ لَهُ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} (فُصِّلَتْ: 11) ، وَقَالَ فِي وَصْفِ الْحِجَارَةِ {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} (الْبَقَرَةُ: 74) ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} (الْإِسْرَاءُ: 44) ، وَهَذَا مَذْهَبٌ حَسَنٌ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ.
قَوْلُهُ: {وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ} أَيْ: مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا تُسَبِّحُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ "وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ"، يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ. {وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} وَهُمُ الْكُفَّارُ لِكُفْرِهِمْ وَتَرْكِهِمُ السُّجُودَ وَهُمْ مَعَ كُفْرِهِمْ تَسْجُدُ ظِلَالُهُمْ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ: {وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} وَاوُ الِاسْتِئْنَافِ.
{وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ} أَيْ: يُهِنْهُ اللَّهُ {فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} أَيْ: مَنْ يُذِلُّهُ اللَّهُ فَلَا يُكْرِمُهُ أَحَدٌ، {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} أَيْ: يُكْرِمُ وَيُهِينُ فَالسَّعَادَةُ وَالشَّقَاوَةُ بِإِرَادَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ.
{هَذَانَ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) }
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {هَذَانَ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} أَيْ: جَادَلُوا فِي دِينِهِ وَأَمْرِهِ، وَالْخَصْمُ اسْمٌ شَبِيهٌ بِالْمَصْدَرِ، فَلِذَلِكَ قَالَ: {اخْتَصَمُوا} بِلَفْظِ الْجَمْعِ كَقَوْلِهِ: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} (ص"21) ، وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَيْنَ الْخَصْمَيْنِ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو هَاشِمٍ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يُقْسِمُ قَسَمًا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ: {هَذَانَ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ بَرَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ: حَمْزَةَ وَعَلِيٍّ، وَعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ، وَعُتْبَةَ، وَشَيْبَةَ ابْنَيْ أَبِي رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ (?) .