{ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (10) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) }
{ثَانِيَ عِطْفِهِ} أَيْ: مُتَبَخْتِرًا لِتَكَبُّرِهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ: لَاوِيَ عُنُقِهِ. قَالَ عَطِيَّةُ، وَابْنُ زَيْدٍ: مُعْرِضًا عَمَّا يُدْعَى إِلَيْهِ تَكَبُّرًا. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: يُعْرِضُ عَنِ الْحَقِّ تَكَبُّرًا. وَالْعِطْفُ: الْجَانِبُ، وَعِطْفَا الرَّجُلِ: جَانِبَاهُ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَعْطِفُهُ الْإِنْسَانُ أَيْ يَلْوِيهِ وَيُمِيلُهُ عِنْدَ الْإِعْرَاضِ عَنِ الشَّيْءِ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا} (لُقْمَانُ: 7) ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ} (المُنَافِقُونَ: 5) . {لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} 24/أعَنْ دِينِ اللَّهِ، {لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ} عَذَابٌ وَهَوَانٌ، وَهُوَ الْقَتْلُ بِبَدْرٍ، فَقُتِلَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ وَعُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ يَوْمَ بَدْرٍ صَبْرًا. {وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ} وَيُقَالُ لَهُ: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} فَيُعَذِّبُهُمْ بِغَيْرِ ذَنْبٍ وَهُوَ جَلَّ ذِكْرُهُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ شَاءَ تَصَرَّفَ فِي عَبْدِهِ، فَحُكْمُهُ عَدْلٌ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنَ الْأَعْرَابِ كَانُوا يَقْدَمُونَ الْمَدِينَةَ مُهَاجِرِينَ مِنْ بَادِيَتِهِمْ فَكَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَصَحَّ بِهَا جِسْمُهُ وَنُتِجَتْ بِهَا فَرَسُهُ مُهْرًا حَسَنًا وَوَلَدَتِ امْرَأَتُهُ غُلَامًا وَكَثُرَ مَالُهُ، قَالَ: هَذَا دِينٌ حَسَنٌ وَقَدْ أَصَبْتُ فِيهِ خَيْرًا وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ، وَإِنْ أَصَابَهُ مَرَضٌ وَوَلَدَتِ امْرَأَتُهُ جَارِيَةً وَأُجْهِضَتْ رِمَاكُهُ (?) وَقَلَّ مَالُهُ، قَالَ: مَا أَصَبْتُ مُنْذُ دَخَلْتُ فِي هَذَا الدِّينِ إِلَّا شَرًّا فَيَنْقَلِبُ عَنْ دِينِهِ، وَذَلِكَ الْفِتْنَةُ (?) فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ قَالُوا: عَلَى شَكٍّ وَأَصْلُهُ مِنْ حَرْفِ الشَّيْءِ وَهُوَ طَرَفُهُ، نَحْوُ حَرْفِ الْجَبَلِ وَالْحَائِطِ الَّذِي كَالْقَائِمِ عَلَيْهِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ، فَقِيلَ لِلشَّاكِّ فِي الدِّينِ إِنَّهُ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ لِأَنَّهُ عَلَى طَرَفٍ وَجَانِبٍ مِنَ الدِّينِ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ عَلَى الثَّبَاتِ وَالتَّمَكُّنِ وَأَصْلُهُ كَالْقَائِمِ عَلَى حَرْفِ الْجَبَلِ مُضْطَرِبٌ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ، يَعْرِضُ أَنْ يَقَعَ فِي أَحَدِ جَانِبَيِ الطَّرَفِ لِضَعْفِ قِيَامِهِ، وَلَوْ عَبَدُوا اللَّهَ فِي الشُّكْرِ عَلَى السَّرَّاءِ وَالصَّبْرِ عَلَى الضَّرَّاءِ لَمْ يَكُونُوا عَلَى حَرْفٍ، قَالَ الْحَسَنُ: هُوَ الْمُنَافِقُ