كَانَ مَوْعِدًا فِي تَقْدِيرِ اللَّهِ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: جِئْتَ عَلَى الْقَدْرِ الَّذِي قَدَّرْتُ أَنَّكَ تَجِيْءُ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَيْسَانَ: عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي يُوحَى فِيهِ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ، أَيْ عَلَى الْمَوْعِدِ الَّذِي وَعَدَهُ اللَّهُ وَقَدَّرَهُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ بِالرِّسَالَةِ، وَهُوَ أَرْبَعُونَ سَنَةً.
{وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41) اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42) اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) }
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} أَيِ اخْتَرْتُكَ وَاصْطَفَيْتُكَ لِوَحْيِي وَرِسَالَتِي، يَعْنِي لِتَنْصَرِفَ على إرادتي 12/أوَمَحَبَّتِي، وَذَلِكَ أَنَّ قِيَامَهُ بِأَدَاءِ الرِّسَالَةِ [تَصَرُّفٌ عَلَى] (?) إِرَادَةِ اللَّهِ وَمَحَبَّتِهِ.
قَالَ الزَّجَّاجُ: اخْتَرْتُكَ لِأَمْرِي وَجَعَلْتُكَ الْقَائِمَ بِحُجَّتِي وَالْمُخَاطَبَ بَيْنِي وَبَيْنَ خَلْقِي، كَأَنِّي الَّذِي أَقَمْتُ (?) بِكَ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةَ وَخَاطَبْتُهُمُ. {اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي} بِدَلَائِلِي، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي الْآيَاتِ التِّسْعَ الَّتِي بَعَثَ بِهَا مُوسَى {وَلَا تَنِيَا} لَا تَضْعُفَا، وَقَالَ السُّدِّيُّ: لَا تَفْتُرَا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: لَا تُقَصِّرَا {فِي ذِكْرِي} {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو، وَأَهْلُ الْحِجَازِ: "لِنَفْسِيَ اذْهَبْ"، "وذكري اذْهَبَا"، وَ"إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا" (الْفُرْقَانِ -30) ، "مِنْ بَعْدِيَ اسْمُهُ" (الصَّفِّ -6) بِفَتْحِ الْيَاءِ فِيهِنَّ، وَوَافَقَهُمْ أَبُو بَكْرٍ: "مِنْ بَعْدِيَ اسْمُهُ"، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِإِسْكَانِهَا. {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} يَقُولُ: دَارِيَاهُ وَارْفُقَا مَعَهُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَا تُعَنِّفَا فِي قَوْلِكُمَا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ وَعِكْرِمَةُ: كَنِّيَاهُ فَقُولَا يَا أَبَا الْعَبَّاسِ، وَقِيلَ: يَا أَبَا الْوَلِيدِ.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: يَعْنِي الْقَوْلَ اللَّيِّنَ: "هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى" (النَّازِعَاتِ -18،19) .
وَقِيلَ: أَمَرَ بِاللَّطَافَةِ فِي الْقَوْلِ لِمَا لَهُ مِنْ حَقِّ التَّرْبِيَةِ.