وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ حَيٌّ فِي السَّمَاءِ أَمْ مَيِّتٌ؟ فَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ مَيِّتٌ وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ حَيٌّ (?) وَقَالُوا: أَرْبَعَةٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْأَحْيَاءِ اثْنَانِ فِي الْأَرْضِ: الْخَضِرُ وَإِلْيَاسُ وَاثْنَانِ فِي السَّمَاءِ: إِدْرِيسُ وَعِيسَى.
وَقَالَ وَهْبٌ: كَانَ يُرْفَعُ لِإِدْرِيسَ كُلَّ يَوْمٍ مِنَ الْعِبَادَةِ مِثْلَ مَا يُرْفَعُ لِجَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ فِي زَمَانِهِ فَعَجِبَ مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ وَاشْتَاقَ إِلَيْهِ مَلَكُ الْمَوْتِ، فَاسْتَأْذَنَ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي زِيَارَتِهِ، فَأَذِنَ لَهُ فَأَتَاهُ فِي صُورَةِ بَنِي آدَمَ وَكَانَ إِدْرِيسُ يَصُومُ الدَّهْرَ فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ إِفْطَارِهِ دَعَاهُ إِلَى طَعَامِهِ فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ مَعَهُ، فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ لَيَالٍ فَأَنْكَرَهُ إِدْرِيسُ، فَقَالَ لَهُ اللَّيْلَةَ الثَّالِثَةَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَعْلَمَ مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: أَنَا مَلَكُ الْمَوْتِ اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَصْحَبَكَ، قَالَ: فَلِي إِلَيْكَ حَاجَةٌ، قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: تَقْبِضُ رُوحِي، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنِ اقْبِضْ رَوْحَهُ فَقَبَضَ رَوْحَهُ وَرَدَّهَا اللَّهُ إِلَيْهِ بَعْدَ سَاعَةٍ، قَالَ لَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ: مَا فِي سُؤَالِكَ مِنْ قَبْضِ الرُّوحِ؟ قَالَ لِأَذُوقَ كَرْبَ الْمَوْتِ وَغَمَّهُ لِأَكُونَ أَشَدَّ اسْتِعْدَادًا لَهُ، ثُمَّ قَالَ إِدْرِيسُ لَهُ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً أُخْرَى، قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: تَرْفَعُنِي إِلَى السَّمَاءِ لِأَنْظُرَ إِلَيْهَا وَإِلَى الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَأَذِنَ اللَّهُ فِي رَفْعِهِ، فَلَمَّا قَرُبَ مِنَ النَّارِ قَالَ لِي حَاجَةٌ أُخْرَى، قَالَ: وَمَا تُرِيدُ؟ قَالَ: تَسْأَلُ مَالِكًا حَتَّى يَفْتَحَ لِي أَبْوَابَهَا فَأَرِدُهَا فَفَعَلَ، ثُمَّ قَالَ: فَمَا أَرَيْتَنِي النَّارَ فَأَرِنِي الْجَنَّةَ. فَذَهَبَ بِهِ إِلَى الْجَنَّةِ فَاسْتَفْتَحَ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنِ اقْبِضْ رُوحَهُ، فَقَبَضَ رُوحَهُ وَرَدَّهَا اللَّهُ إِلَيْهِ بَعْدَ سَاعَةٍ، قَالَ لَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ: مَا فِي فَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا فَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ، ثُمَّ قَالَ مَلَكُ الْمَوْتِ: اخْرُجْ لِتَعُودَ إِلَى مَقَرِّكَ، فَتَعَلَّقَ بِشَجَرَةٍ وَقَالَ: لَا أَخْرُجُ مِنْهَا، فَبَعَثَ اللَّهُ مَلَكًا حَكِيمًا بَيْنَهُمَا فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ: مَا لَكَ لَا تَخْرُجُ؟ قَالَ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: "كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ" (آلِ عِمْرَانَ:185) وَقَدْ ذُقْتُهُ، وَقَالَ: "وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا" (مَرْيَمَ:71) ، وَقَدْ وَرَدْتُهَا، وَقَالَ: "وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ" (الحِجْرِ:48) فَلَسْتُ أَخْرَجُ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مَلَكِ الْمَوْتِ بِإِذْنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ وَبِأَمْرِي لَا يَخْرُجُ فَهُوَ حَيٌّ هُنَاكَ، ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} (?) .
{أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58) }
{أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ} أَيْ: إِدْرِيسَ وَنُوحًا {وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} أَيْ: وَمِنْ ذُرِّيَّةِ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ فِي السَّفِينَةِ، يُرِيدُ إِبْرَاهِيمَ؛ لِأَنَّهُ وُلِدَ مِنْ سَامِ بْنِ نُوحٍ {وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ} يُرِيدُ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ.