وَقَالَ قَتَادَةُ وَعَطَاءٌ: سَالِمًا وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اعْتَزِلْنِي سَالِمًا لَا تُصِيبُكَ مِنِّي مَعَرَّةٌ، يُقَالُ: فُلَانٌ مَلِيٌّ بِأَمْرِ كَذَا: إِذَا كَانَ كَافِيًا (?) .
{قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (49) }
{قَالَ} إِبْرَاهِيمُ {سَلَامٌ عَلَيْكَ} أَيْ سَلِمْتَ مِنِّي لَا أُصِيبُكَ بِمَكْرُوهٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِقِتَالِهِ عَلَى كُفْرِهِ.
وَقِيلَ: هَذَا سَلَامُ هِجْرَانٍ وَمُفَارَقَةٍ. وَقِيلَ: سَلَامُ بِرٍّ وَلُطْفٍ وَهُوَ جَوَابُ الْحَلِيمِ لِلسَّفِيهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا" (الفُرْقَانِ:63) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: {سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي} قِيلَ: إِنَّهُ لَّمَّا أَعْيَاهُ أَمَرَهُ وَوَعَدَهُ أَنْ يُرَاجِعَ اللَّهَ فِيهِ، فَيَسْأَلَهُ أَنْ يَرْزُقَهُ التَّوْحِيدَ وَيَغْفِرَ لَهُ. مَعْنَاهُ: سَأَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى لَكَ تَوْبَةً تَنَالُ بِهَا الْمَغْفِرَةَ.
{إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} بَرًّا لَطِيفًا. قَالَ الْكَلْبِيُّ: عَالِمًا يَسْتَجِيبُ لِي إِذَا دَعَوْتُهُ. قَالَ مُجَاهِدٌ: عَوَّدَنِي الْإِجَابَةَ لِدُعَائِي. {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} أَيْ: أَعْتَزِلُ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ. قَالَ مُقَاتِلٌ: كَانَ اعْتِزَالُهُ إِيَّاهُمْ أَنَّهُ فَارَقَهُمْ مِنْ "كُوثَى" فَهَاجَرَ مِنْهَا إِلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، {وَأَدْعُو رَبِّي} أَيْ: أَعْبُدُ رَبِّي {عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا} أَيْ: عَسَى أَنْ لَا أَشْقَى بِدُعَائِهِ وَعِبَادَتِهِ، كَمَا تَشْقَوْنَ أَنْتُمْ بِعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ.
وَقِيلَ: عَسَى أَنْ يُجِيبَنِي إِذَا دَعَوْتُهُ وَلَا يُخَيِّبَنِي. {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} فَذَهَبَ مُهَاجِرًا {وَهَبْنَا لَهُ} بَعْدَ الْهِجْرَةِ {إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} آنَسْنَا وَحْشَتَهُ [مِنْ فِرَاقِهِمْ] (?) وَأَقْرَرْنَا عَيْنَهُ، بِأَوْلَادٍ كِرَامٍ عَلَى