127

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَاكُ: كَانَ هَذَا قَبْلَ نُزُولِ بَرَاءَةٌ حِينَ أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِتَالِ مَنْ قَاتَلَهُ وَمُنِعَ مِنَ الِابْتِدَاءِ بِالْقِتَالِ، فَلَمَّا أَعَزَّ اللَّهُ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ نَزَلَتْ بَرَاءَةٌ، وَأُمِرُوا بِالْجِهَادِ نُسِخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ (?) .

وَقَالَ النَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَمُجَاهِدٌ، وَابْنُ سِيرِينَ: الْآيَةُ مُحْكَمَةٌ نَزَلَتْ فِي مَنْ ظُلِمَ بِظُلَامَةٍ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنَالَ مِنْ ظَالِمِهِ أَكْثَرَ مِمَّا نَالَ الظَّالِمُ مِنْهُ، أُمِرَ بِالْجَزَاءِ وَالْعَفْوِ، وَمُنِعَ مِنَ الِاعْتِدَاءِ (?) . ثُمَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

{وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128) }

{وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} أَيْ: بِمَعُونَةِ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ، {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} فِي إِعْرَاضِهِمْ عَنْكَ، {وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} أَيْ: فِيمَا فَعَلُوا مِنَ الْأَفَاعِيلِ.

قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ هَاهُنَا وَفِي النَّمْلِ {ضِيقٍ} بِكَسْرِ الضَّادِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ الضَّادِ، قَالَ أَهْلُ الْكُوفَةِ: هُمَا لُغَتَانِ مِثْلُ رِطْلٍ وَرَطْلٍ.

وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: "الضَّيْقُ" بِالْفَتْحِ: الْغَمُّ، وَبِالْكَسْرِ: الشِّدَّةُ.

وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: "الضِّيقُ" بِالْكَسْرِ فِي قِلَّةِ الْمَعَاشِ وَفِي الْمَسَاكِنِ، فَأَمَّا مَا كَانَ فِي الْقَلْبِ وَالصَّدْرِ فَإِنَّهُ بِالْفَتْحِ.

وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الضَّيْقُ تَخْفِيفُ ضَيِّقٍ مِثْلُ هَيْنٍ وَهَيِّنٍ، وَلَيْنٍ وَلَيِّنٍ، فَعَلَى هَذَا هُوَ صِفَةٌ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَلَا تَكُنْ فِي أَمْرٍ ضَيِّقٍ مِنْ مَكْرِهِمْ. {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا} الْمَنَاهِيَ، {وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} بِالْعَوْنِ وَالنُّصْرَةِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015