{شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122) ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (123) إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124) }
{شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ} اخْتَارَهُ، {وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} أَيْ: إِلَى دِينِ الْحَقِّ. {وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} يَعْنِي الرِّسَالَةَ وَالْخُلَّةَ وَقِيلَ: لِسَانَ الصِّدْقِ وَالثَّنَاءَ والحسن.
وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: يَعْنِي الصَّلَوَاتِ فِي قَوْلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ.
وَقِيلَ: أَوْلَادًا أَبْرَارًا عَلَى الْكِبَرِ.
وَقِيلَ: الْقَبُولُ الْعَامُّ فِي جَمِيعِ الْأُمَمِ.
{وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} مَعَ آبَائِهِ الصَّالِحِينَ فِي الْجَنَّةِ. وَفِي الْآيَةِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، مَجَازُهُ: وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّالِحِينَ. {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} يَا مُحَمَّدُ، {أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} حَاجًّا مُسْلِمًا، (?) {وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}
وَقَالَ أَهْلُ الْأُصُولِ: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مأمور بِشَرِيعَةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَا نُسِخَ فِي شَرِيعَتِهِ، وَمَا لَمْ يُنْسَخْ صَارَ شَرْعًا لَهُ (?) . قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ} قِيلَ: مَعْنَاهُ إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ لَعْنَةً عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ أَيْ: خَالَفُوا فِيهِ.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ مَا فَرَضَ اللَّهُ تَعْظِيمَ السَّبْتِ وَتَحْرِيمَهُ إِلَّا عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ أَيْ: خَالَفُوا فِيهِ فَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ أَعْظَمُ الْأَيَّامِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَغَ مِنْ خَلْقِ الْأَشْيَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ سَبَتَ يَوْمَ السَّبْتِ.
وَقَالَ قَوْمٌ: بَلْ أَعْظَمُ الْأَيَّامِ يَوْمُ الْأَحَدِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ابْتَدَأَ فِيهِ خَلْقَ الْأَشْيَاءِ، فَاخْتَارُوا تَعْظِيمَ غَيْرِ مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَقَدِ افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ تَعْظِيمَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ.