{الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (88) }
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا} يَعْنِي رَسُولًا {ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا} فِي الِاعْتِذَارِ، وَقِيلَ: فِي الْكَلَامِ أَصْلًا {وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} يُسْتَرْضَوْنَ، يَعْنِي: لَا يُكَلَّفُونَ أَنْ يُرْضُوا رَبَّهُمْ، لِأَنَّ الْآخِرَةَ لَيْسَتْ بِدَارِ تَكْلِيفٍ، وَلَا يُرْجَعُونَ إِلَى الدُّنْيَا فَيَتُوبُونَ. وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى فِي الِاسْتِعْتَابِ: أَنَّهُ التَّعَرُّضُ لِطَلَبِ الرِّضَا، وَهَذَا الْبَابُ مُنْسَدٌّ فِي الْآخِرَةِ عَلَى الْكُفَّارِ. {وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} كَفَرُوا، {الْعَذَابَ} يَعْنِي جَهَنَّمَ، {فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ} {وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا} يَوْمَ الْقِيَامَةِ، {شُرَكَاءَهُمْ} أَوْثَانَهُمْ، {قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ} أَرْبَابًا وَنَعْبُدُهُمْ، {فَأَلْقَوْا} يَعْنِي الْأَوْثَانَ، {إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ} أَيْ: قَالُوا لَهُمْ، {إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ} فِي تَسْمِيَتِنَا آلِهَةً مَا دَعَوْنَاكُمْ إِلَى عِبَادَتِنَا. {وَأَلْقَوْا} يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ {إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ} اسْتَسْلَمُوا وَانْقَادُوا لِحُكْمِهِ فِيهِمْ، وَلَمْ تُغْنِ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمْ شَيْئًا، {وَضَلَّ} وَزَالَ، {عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} مِنْ أَنَّهَا تَشْفَعُ لَهُمْ. {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} مَنَعُوا النَّاسَ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ {زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ} قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: عَقَارِبُ لَهَا أَنْيَابٌ أَمْثَالُ النَّخْلِ الطِّوَالِ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: حَيَّاتٌ أَمْثَالُ الْبُخْتِ (?) وَعَقَارِبُ أَمْثَالُ الْبِغَالِ، تَلْسَعُ إِحْدَاهُنَّ اللَّسْعَةَ يَجِدُ صَاحِبُهَا حُمَّتَهَا أَرْبَعِينَ خَرِيفًا.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُقَاتِلٌ: يَعْنِي خَمْسَةَ أَنْهَارٍ مِنْ صُفْرٍ مُذَابٍ كَالنَّارِ تَسِيلُ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ، يُعَذَّبُونَ بِهَا ثَلَاثَةٌ عَلَى مِقْدَارِ اللَّيْلِ وَاثْنَانِ عَلَى مِقْدَارِ النَّهَارِ.