82

{وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا} يَعْنِي: الْأَسْرَابَ، وَالْغِيرَانَ، وَاحِدُهَا كُنٌّ {وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ} قُمُصًا مِنَ الْكَتَّانِ وَالْقَزِّ، وَالْقُطْنِ، وَالصُّوفِ، {تَقِيكُمُ} تَمَنَعُكُمْ، {الْحَرَّ} قَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: أَرَادَ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ فَاكْتَفَى بِذِكْرِ أَحَدِهِمَا لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ. {وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ} يَعْنِي: الدُّرُوعَ، وَالْبَأْسُ: الْحَرْبُ، يَعْنِي: تَقِيكُمْ فِي بَأْسِكُمُ السِّلَاحَ أَنْ يُصِيبَكُمْ.

{كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} تُخْلِصُونَ لَهُ الطَّاعَةَ.

قَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: إِنَّمَا أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى قَدْرِ مَعْرِفَتِهِمْ، فَقَالَ: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا، وَمَا جَعَلَ [لَهُمْ] (?) مِنَ السُّهُولِ أَكْثَرُ وَأَعْظَمُ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا أَصْحَابَ جِبَالٍ كَمَا قَالَ: "وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا" لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَصْحَابَ وَبَرٍ، وَشَعْرٍ، وَكَمَا قَالَ: "وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ" (النُّورِ-43) وَمَا أَنْزَلَ مِنَ الثَّلْجِ أَكْثَرُ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَعْرِفُونَ الثَّلْجَ. وَقَالَ: "تَقِيكُمُ الْحَرَّ" وَمَا تَقِي مِنَ الْبَرْدِ أَكْثَرُ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا أَصْحَابَ حَرٍّ.

{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (82) يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ (83) }

{فَإِنْ تَوَلَّوْا} فَإِنْ أَعْرَضُوا فَلَا يَلْحَقُكَ فِي ذَلِكَ عَتَبٌ وَلَا سِمَةُ تَقْصِيرٍ، {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} {يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ} قَالَ السُّدِّيُّ يَعْنِي: مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، {ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا} يُكَذِّبُونَ بِهِ.

وَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ الْإِسْلَامُ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ: يَعْنِي مَا عَدَّ لَهُمْ مِنَ النِّعَمِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ، يُقِرُّونَ أَنَّهَا مِنَ اللَّهِ، ثُمَّ إِذَا قِيلَ لَهُمْ: تَصَدَّقُوا وَامْتَثِلُوا أَمْرَ اللَّهِ فِيهَا، يُنْكِرُونَهَا فَيَقُولُونَ: وَرِثْنَاهَا مِنْ آبَائِنَا.

وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هُوَ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ لَهُمْ هَذِهِ النِّعَمَ قَالُوا: نَعَمْ، هَذِهِ كُلُّهَا مِنَ اللَّهِ، وَلَكِنَّهَا بِشَفَاعَةِ آلِهَتِنَا.

وَقَالَ عَوْفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ لَوْلَا فُلَانٌ لَكَانَ كَذَا، وَلَوْلَا فُلَانٌ لَمَا كَانَ كَذَا (?) . {وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ} الْجَاحِدُونَ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015