94

يَعْنِي: اسْتِعْلَامًا. وَقَوْلُهُ: "لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ" يَعْنِي تَوْبِيخًا وَتَقْرِيعًا.

وَقَالَ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَتَيْنِ: إِنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَوْمٌ طَوِيلٌ فِيهِ مَوَاقِفُ يُسْأَلُونَ فِي بَعْضِ الْمَوَاقِفِ، وَلَا يُسْأَلُونَ فِي بَعْضِهَا. نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ} (الْمُرْسَلَاتِ-35) ، وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} (?) (الزُّمَرِ-31) .

{فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95) }

قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَظْهِرْهُ. وَيُرْوَى عَنْهُ: أَمْضِهِ.

وَقَالَ الضَّحَّاكُ: أَعْلِمْ.

وَقَالَ الْأَخْفَشُ: افْرُقْ، أَيِ: افْرُقْ بِالْقُرْآنِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ.

وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: اقْضِ بِمَا تُؤْمَرُ، وَأَصْلُ الصَّدْعِ: الْفَصْلُ، وَالْفَرْقُ: أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِإِظْهَارِ الدَّعْوَةِ.

وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدَةَ قَالَ: كَانَ مُسْتَخْفِيًا حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَخَرَجَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ (?) .

{وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} نَسَخَتْهَا آيَةُ الْقِتَالِ (?) .

{إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَاصْدَعْ بِأَمْرِ اللَّهِ، وَلَا تَخَفْ أَحَدًا غَيْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّ اللَّهَ كَافِيكَ مَنْ عَادَاكَ كَمَا كَفَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ، وَهُمْ خَمْسَةُ نَفَرٍ مِنْ رُؤَسَاءِ قُرَيْشٍ: الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ -وَكَانَ رَأْسَهُمْ -وَالْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ زَمْعَةَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ دَعَا عَلَيْهِ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ أَعْمِ بَصَرَهُ وَاثْكِلْهُ بِوَلَدِهِ، وَالْأُسُودُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ بْنِ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ، وَالْحَارِثُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الطُّلَاطِلَةِ، فَأَتَى جِبْرِيلُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمُسْتَهْزِئُونَ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ، فَقَامَ جِبْرِيلُ وَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جَنْبِهِ، فَمَرَّ بِهِ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: يَا مُحَمَّدُ كَيْفَ تَجِدُ هَذَا؟ فَقَالَ: بِئْسَ عَبْدُ اللَّهِ، فَقَالَ: قَدْ كُفِيتَهُ، وَأَوْمَأَ إِلَى سَاقِ الْوَلِيدِ، فَمَرَّ بِرَجُلٍ مِنْ خُزَاعَةَ نَبَّالٍ يَرِيشُ نَبْلًا لَهُ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ يَمَانٍ، وَهُوَ يَجُرُّ إِزَارَهُ، فَتَعَلَّقَتْ شَظْيَةٌ مِنْ نَبْلٍ بِإِزَارِهِ فَمَنَعَهُ الْكِبَرُ أَنْ "يُطَاطِئَ رَأَسَهُ" (?) فَيَنْزِعَهَا، وَجَعَلَتْ تَضْرِبُ سَاقَهُ، فَخَدَشَتْهُ، فَمَرِضَ مِنْهَا فَمَاتَ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015