مِنَ النُّورِ (?) .
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) } .
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا} أَيْ: سَأَخْلُقُ بَشَرًا {مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} .
{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ} عَدَّلْتُ صُورَتَهُ، وَأَتْمَمْتُ خَلْقَهُ، {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} فَصَارَ بَشَرًا حَيًّا، وَالرُّوحُ جِسْمٌ لَطِيفٌ يَحْيَا بِهِ الْإِنْسَانُ، وَأَضَافَهُ إِلَى نَفْسِهِ تَشْرِيفًا {فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} سُجُودَ تَحِيَّةٍ لَا سُجُودَ عِبَادَةٍ.
{فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ} الَّذِينَ أُمِرُوا بِالسُّجُودِ {كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} .
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ قَالَ {كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} وَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِقَوْلِهِ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ؟
قُلْنَا: زَعَمَ الْخَلِيلُ وَسِيبَوَيْهِ أَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ تَأْكِيدًا.
وَذَكَرَ الْمُبَرِّدُ: أَنَّ قَوْلَهُ {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ} كَانَ مِنَ الْمُحْتَمَلِ أَنَّهُ سَجَدَ بَعْضُهُمْ فَذَكَرَ "كُلُّهُمْ" لِيَزُولَ هَذَا الْإِشْكَالُ، ثُمَّ كَانَ [يَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ سَجَدُوا] (?) فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فَزَالَ ذَلِكَ الْإِشْكَالُ بِقَوْلِهِ "أَجْمَعُونَ" (?)
وَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ لِجَمَاعَةٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ: اسْجُدُوا لِآدَمَ فَلَمْ يَفْعَلُوا فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نَارًا فَأَحْرَقَتْهُمْ، ثُمَّ قَالَ لِجَمَاعَةٍ أُخْرَى: اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا (?) .