بِالرَّحْمَنِ وَلَمْ يُؤْمِنُوا، لِمَا سَبَقَ مِنْ عِلْمِنَا فِيهِمْ، كَمَا قَالَ: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا} (الْأَنْعَامُ -111) ثُمَّ قَالَ:

{بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا} أَيْ: فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إِنْ شَاءَ فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ.

{أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آمَنُوا} قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: مَعْنَاهُ أَفَلَمْ يَعْلَمْ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: هِيَ لُغَةُ النَّخَعِ (?) .

وَقِيلَ: لُغَةُ هَوَازِنَ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ: "أَفَلَمْ يَتَبَيَّنِ الَّذِينَ آمَنُوا" (?) .

وَأَنْكَرَ الْفَرَّاءُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِمَعْنَى الْعِلْمِ، وَزَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ أَحَدًا مِنَ الْعَرَبِ يَقُولُ: يَئِسْتُ، بِمَعْنَى: عَلِمْتُ، وَلَكِنْ مَعْنَى الْعِلْمِ فِيهِ مُضْمَرٌ (?) .

وَذَلِكَ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما سَمِعُوا هَذَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ طَمِعُوا فِي أَنْ يَفْعَلَ اللَّهُ مَا سَأَلُوا فَيُؤْمِنُوا فَنَزَلَ: {أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آمَنُوا} يَعْنِي: الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ مِنْ إِيمَانِ هَؤُلَاءِ، أَيْ لَمْ يَيْئَسُوا عِلْمًا، وَكُلُّ مَنْ عَلِمَ شَيْئًا يَئِسَ مِنْ خِلَافِهِ، يَقُولُ: أَلَمْ يُيَئِّسْهُمُ الْعِلْمُ: {أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا} .

{وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا} مِنْ كُفْرِهِمْ وَأَعْمَالِهِمُ الْخَبِيثَةِ {قَارِعَةٌ} أَيْ: نَازِلَةٌ وَدَاهِيَةٌ تَقْرَعُهُمْ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَلَاءِ، أَحْيَانًا بِالْجَدْبِ، وَأَحْيَانًا بِالسَّلْبِ، وَأَحْيَانًا بِالْقَتْلِ وَالْأَسْرِ.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَرَادَ بِالْقَارِعَةِ: السَّرَايَا الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْعَثُهُمْ إِلَيْهِمْ.

{أَوْ تَحُلُّ} يَعْنِي: السَّرِيَّةَ وَالْقَارِعَةَ، {قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ} وَقِيلَ: أَوْ تَحُلُّ: أَيْ تَنْزِلُ أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ بِنَفْسِكَ قَرِيبًا مِنْ دِيَارِهِمْ، {حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ} قِيلَ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ. وَقِيلَ: الْفَتْحُ وَالنَّصْرُ وَظُهُورُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِينِهِ. {إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} وَكَانَ الْكُفَّارُ يَسْأَلُونَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِهْزَاءِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَسْلِيَةً لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ}

طور بواسطة نورين ميديا © 2015