هَذِهِ الْوَاوُ زَائِدَةٌ (?) ، تَقْدِيرُهُ: أَوْحَيْنَا إِلَيْهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ} (الصَّافَّاتِ -103) أَيْ: نَادَيْنَاهُ، {لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} يَعْنِي: أَوْحَيْنَا إِلَى يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَتُصَدَّقَنَّ رُؤْيَاكَ وَلَتُخْبِرَنَّ إِخْوَتَكَ بِصَنِيعِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ بِوَحْيِ اللَّهِ وَإِعْلَامِهِ إِيَّاهُ ذَلِكَ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ يَوْمَ تُخْبِرُهُمْ أَنَّكَ يُوسُفُ، وَذَلِكَ حِينَ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ.
وَذَكَرَ وَهْبٌ وَغَيْرُهُ: أَنَّهُمْ أَخَذُوا يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِغَايَةِ الْإِكْرَامِ وَجَعَلُوا يَحْمِلُونَهُ، فَلَمَّا بَرَزُوا إِلَى الْبَرِّيَّةِ أَلْقَوْهُ وَجَعَلُوا يَضْرِبُونَهُ فَإِذَا ضَرَبَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمُ اسْتَغَاثَ بِالْآخَرِ فَضَرَبَهُ الْآخَرُ، فَجَعَلَ لَا يَرَى مِنْهُمْ رَحِيمًا فَضَرَبُوهُ حَتَّى كَادُوا يَقْتُلُونَهُ وَهُوَ يَصِيحُ: يَا أَبَتَاهُ لَوْ تَعْلَمُ مَا يَصْنَعُ بِابْنِكَ بَنُو الْإِمَاءِ، فَلَمَّا كَادُوا أَنْ يَقْتُلُوهُ قَالَ لَهُمْ يَهُوذَا: أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتُمُونِي مَوْثِقًا أَنْ لَا تَقْتُلُوهُ، فَانْطَلَقُوا بِهِ إِلَى الْجُبِّ لِيَطْرَحُوهُ فِيهِ، وَكَانَ ابْنَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً -وَقِيلَ: ثَمَانِي عشرة سنة-فجاؤوا بِهِ إِلَى بِئْرٍ عَلَى غَيْرِ الطَّرِيقِ وَاسِعَةِ الْأَسْفَلِ ضَيِّقَةِ الرَّأْسِ. قَالَ مُقَاتِلٌ: عَلَى ثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ مِنْ مَنْزِلِ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَقَالَ كَعْبٌ: بَيْنَ مَدْيَنَ وَمِصْرَ. وَقَالَ وَهْبٌ: بِأَرْضِ الْأُرْدُنِّ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هِيَ بِئْرُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَجَعَلُوا يُدْلُونَهُ فِي الْبِئْرِ فَيَتَعَلَّقُ بِشَفِيرِ الْبِئْرِ فَرَبَطُوا يَدَيْهِ وَنَزَعُوا قَمِيصَهُ فَقَالَ: يَا إِخْوَتَاهْ رُدُّوا عَلَيَّ الْقَمِيصَ أَتَوَارَى بِهِ فِي الْجُبِّ، فَقَالُوا: ادْعُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْكَوَاكِبَ تُوَارِيكَ (?) ، قَالَ: إِنِّي لَمْ أَرَ شَيْئًا، فَأَلْقَوْهُ فِيهَا.
وَقِيلَ: جَعَلُوهُ فِي دَلْوٍ وَأَرْسَلُوهُ فِيهَا حَتَّى إِذَا بَلَغَ نِصْفَهَا أَلْقَوْهُ إِرَادَةَ أَنْ يَمُوتَ فَكَانَ فِي الْبِئْرِ مَاءٌ فَسَقَطَ فِيهِ، ثُمَّ أَوَى إِلَى صَخْرَةٍ فِيهَا فَقَامَ عَلَيْهَا.
إِنَّهُمْ لَمَّا أَلْقَوْهُ فِيهَا جَعَلَ يَبْكِي فَنَادَوْهُ فَظَنَّ أَنَّ رَحْمَةً أَدْرَكَتْهُمْ فَأَجَابَهُمْ فَأَرَادُوا أَنْ يَرْضِخُوهُ بِصَخْرَةٍ فَيَقْتُلُوهُ، فَمَنَعَهُمْ يَهُوذَا وَكَانَ يَهُوذَا يَأْتِيهِ بِالطَّعَامِ، وَبَقِيَ فِيهَا ثَلَاثَ لَيَالٍ (?) .