{إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} يَعْنِي: إِنَّ ربِّيَ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُ لَا يَظْلِمُهُمْ وَلَا يَعْمَلُ إِلَّا بِالْإِحْسَانِ وَالْعَدْلِ، فَيُجَازِي الْمُحْسِنَ بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيءَ بِعِصْيَانِهِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ دِينَ رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.
وَقِيلَ (?) فِيهِ إِضْمَارٌ، أَيْ: إِنَّ رَبِّي يُحِثُّكُمْ وَيَحْمِلُكُمْ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.
{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57) وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (58) وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ (60) } .
{فَإِنْ تَوَلَّوْا} أَيْ: تَتَوَلَّوْا، يَعْنِي: تُعْرِضُوا عَمَّا دَعَوْتُكُمْ إِلَيْهِ، {فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ} أَيْ: إِنْ أَعْرَضْتُمْ يُهْلِكْكُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَيَسْتَبْدِلْ بِكُمْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ أَطْوَعَ مِنْكُمْ، يُوَحِّدُونَهُ وَيَعْبُدُونَهُ، {وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا} بِتَوَلِّيكُمْ وَإِعْرَاضِكُمْ، إِنَّمَا تَضُرُّونَ أَنْفُسَكُمْ. وَقِيلَ: لَا تُنْقِصُونَهُ شَيْئًا إِذَا أَهْلَكَكُمْ لِأَنَّ وُجُودَكُمْ وَعَدَمَكُمْ عِنْدَهُ سَوَاءٌ، {إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ} أَيْ: لِكُلِّ شَيْءٍ حَافِظٌ، يَحْفَظُنِي مِنْ أَنْ تَنَالُونِي بِسُوءٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا} عَذَابُنَا، {نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} وَكَانُوا أَرْبَعَةَ آلَافٍ. {بِرَحْمَةٍ} بِنِعْمَةٍ {مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} وَهُوَ الرِّيحُ الَّتِي أَهْلَكَ بِهَا عَادًا، وَقِيلَ: الْعَذَابُ الْغَلِيظُ: عَذَابُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، أَيْ: كَمَا نَجَّيْنَاهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْعَذَابِ كَذَلِكَ نَجَّيْنَاهُمْ فِي الْآخِرَةِ.
{وَتِلْكَ عَادٌ} رَدَّهُ إِلَى الْقَبِيلَةِ، {جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ} يَعْنِي: هُودًا وَحَدَهُ، ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ لِأَنَّ مَنْ كَذَّبَ رَسُولًا كَانَ كَمَنْ كَذَّبَ جَمِيعَ الرُّسُلِ، {وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} أَيْ: وَاتَّبَعَ السَّفَلَةُ وَالسُّقَّاطُ أَهْلَ التَّكَبُّرِ وَالْعِنَادِ، وَالْجَبَّارُ: الْمُتَكَبِّرُ، وَالْعَنِيدُ: الَّذِي لَا يَقْبَلُ الْحَقَّ، يُقَالُ: عَنَدَ الرَّجُلُ يَعْنِدُ عُنُودًا إِذَا أَبَى أَنْ يَقْبَلَ الشَّيْءَ وَإِنْ عَرَفَهُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ (?) الْعَنِيدُ وَالْعَانِدُ وَالْعَنُودُ وَالْمُعَانِدُ: الْمُعَارِضُ لَكَ بِالْخِلَافِ.
{وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً} أَيْ: أُرْدِفُوا لَعْنَةً تَلْحَقُهُمْ وَتَنْصَرِفُ مَعَهُمْ وَاللَّعْنَةُ: هِيَ الْإِبْعَادُ وَالطَّرْدُ عَنِ الرَّحْمَةِ، {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ} أَيْ: وَفِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَيْضًا لُعِنُوا كَمَا لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ،