{قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمْ مَنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35) وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (36) } .
{قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي} يُرْشِدُ، {إِلَى الْحَقِّ} فَإِذَا قَالُوا: لَا -وَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ- {قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ} أَيْ إِلَى الْحَقِّ.
{أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي} قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: سَاكِنَةَ الْهَاءِ، خَفِيفَةَ الدَّالِّ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: بِتَشْدِيدِ الدَّالِّ، ثُمَّ قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ، وَقَالُونُ: بِسُكُونِ الْهَاءِ، وَأَبُو عَمْرٍو بِرَوْمِ الْهَاءِ بَيْنَ الْفَتْحِ وَالسُّكُونِ، وَقَرَأَ حَفْصٌ: بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْهَاءِ، وَأَبُو بَكْرٍ بِكَسْرِهِمَا، وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِهِمَا، وَمَعْنَاهُ: يَهْتَدِي -فِي جَمِيعِهَا-فَمَنْ خَفَّفَ الدَّالَ، قَالَ: يُقَالُ: هَدَيْتُهُ فَهُدِي، أَيِ: اهْتَدَى، وَمَنْ شَدَّدَ الدَّالَ أَدْغَمَ التَّاءَ فِي الدَّالِ، ثُمَّ أَبُو عَمْرٍو يَرُومُ عَلَى مَذْهَبِهِ فِي إِيثَارِ التَّخْفِيفِ، وَمَنْ سَكَّنَ الْهَاءَ تَرَكَهَا عَلَى حَالَتِهَا كَمَا فَعَلَ فِي "تَعْدُّوا" وَ"يَخْصِّمُونَ" وَمَنْ فَتَحَ الْهَاءَ نَقَلَ فَتْحَةَ التَّاءِ الْمُدْغَمَةِ إِلَى الْهَاءِ، وَمَنْ كَسَرَ الْهَاءَ فَلِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَقَالَ الْجَزْمُ يُحَرَّكُ إِلَى الْكَسْرِ، وَمِنْ كَسَرَ الْيَاءَ، مَعَ الْهَاءِ أَتْبَعَ الْكَسْرَةَ الْكَسْرَةَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِلَّا أَنْ يُهْدَى} مَعْنَى الْآيَةِ: اللَّهُ الَّذِي يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ بِالِاتِّبَاعِ أَمِ الصَّنَمُ الَّذِي لَا يَهْتَدِي إِلَّا أَنْ يُهْدَى؟.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ قَالَ: "إِلَّا أَنْ يُهْدَى"، وَالصَّنَمُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَهْتَدِيَ وَلَا أَنْ يُهْدَى؟.
قِيلَ: مَعْنَى الْهِدَايَةِ فِي حَقِّ الْأَصْنَامِ الِانْتِقَالُ، أَيْ: أَنَّهَا لَا تَنْتَقِلُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ إِلَّا أَنْ تُحْمَلَ وَتُنْقَلَ، يَتَبَيَّنُ بِهِ عَجْزُ الْأَصْنَامِ.
وَجَوَابٌ آخَرُ وَهُوَ: أَنَّ ذِكْرَ الْهِدَايَةِ عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا اتَّخَذُوا الْأَصْنَامَ آلِهَةً وَأَنْزَلُوهَا مَنْزِلَةَ مَنْ يَسْمَعُ وَيَعْقِلُ عَبَّرَ عَنْهَا بِمَا يُعَبَّرُ عَمَّنْ يَعْلَمُ وَيَعْقِلُ، وَوُصِفَتْ بِصِفَةِ مَنْ يَعْقِلُ.
{فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} كَيْفَ تَقْضُونَ حِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّ لِلَّهِ شَرِيكًا؟
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا} مِنْهُمْ، يَقُولُونَ: إِنَّ الْأَصْنَامَ آلِهَةٌ، وَإِنَّهَا تَشْفَعُ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ ظَنًّا مِنْهُمْ، لَمْ يَرِدْ بِهِ كِتَابٌ وَلَا رَسُولٌ، وَأَرَادَ بِالْأَكْثَرِ: جَمِيعَ مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ، {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} أَيْ: لَا يَدْفَعُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ شَيْئًا. وَقِيلَ: لَا يَقُومُ مَقَامَ الْعِلْمِ، {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ}