101

مَا أَدْرَكَ مَدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ" (?) .

ثُمَّ جَمَعَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الثَّوَابِ فَقَالَ: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ} قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ: {مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مَصَاحِفِ أَهْلِ مَكَّةَ، {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} .

{وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) } .

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ} وَهُمْ مِنْ مُزَيْنَةَ وَجُهَيْنَةَ وَأَشْجَعَ وَأَسْلَمَ وَغِفَارٍ، كَانَتْ مَنَازِلُهُمْ حَوْلَ الْمَدِينَةِ، يَقُولُ: مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ، {وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ} أَيْ: وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ قَوْمٌ مُنَافِقُونَ، {مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ} أَيْ: مُرِّنُوا عَلَى النِّفَاقِ، يُقَالُ: تَمَرَّدَ فَلَانٌ عَلَى رَبِّهِ أَيْ: عَتَا، وَمَرَدَ عَلَى مَعْصِيَتِهِ، أَيْ: مُرِّنَ وَثَبَتَ عَلَيْهَا وَاعْتَادَهَا. وَمِنْهُ: الْمُرِيدُ وَالْمَارِدُ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: لَجُّوا فِيهِ وَأَبَوْا غَيْرَهُ.

وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: أَقَامُوا عَلَيْهِ وَلَمْ يَتُوبُوا.

{لَا تَعْلَمُهُمْ} أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ، {نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ} اخْتَلَفُوا فِي هَذَيْنَ الْعَذَابَيْنِ.

قَالَ الْكَلْبِيُّ وَالسُّدِّيُّ: قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: "اخْرُجْ يَا فُلَانُ فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ اخْرُجْ يَا فُلَانُ. أَخْرَجَ نَاسًا مِنَ الْمَسْجِدِ وَفَضَحَهُمْ، فَهَذَا هُوَ الْعَذَابُ الْأَوَّلُ. وَالثَّانِي: عَذَابُ الْقَبْرِ" (?) .

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْأَوَّلُ: الْقَتْلُ وَالسَّبْيُ، وَالثَّانِي: عَذَابُ الْقَبْرِ. وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى: عُذِّبُوا بِالْجُوعِ مَرَّتَيْنِ.

وَقَالَ قَتَادَةُ: الدُّبَيْلَةُ فِي الدُّنْيَا وَعَذَابُ الْقَبْرِ.

وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الْأُولَى الْمَصَائِبُ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ فِي الدُّنْيَا، وَالْأُخْرَى عَذَابُ الْآخِرَةِ.

وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْأُولَى إِقَامَةُ الْحُدُودِ عَلَيْهِمْ، وَالْأُخْرَى عَذَابُ الْقَبْرِ.

وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: هُوَ مَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْظِ الْإِسْلَامِ وَدُخُولِهِمْ فِيهِ مِنْ غَيْرِ حِسْبَةٍ ثُمَّ عَذَابُ الْقَبْرِ.

وَقِيلَ: إِحْدَاهُمَا ضَرْبُ الْمَلَائِكَةِ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ عِنْدَ قَبْضِ أَرْوَاحِهِمْ، وَالْأُخْرَى عَذَابُ الْقَبْرِ.

وَقِيلَ: الْأُولَى إِحْرَاقُ مَسْجِدِهِمْ، مَسْجِدِ الضِّرَارِ، وَالْأُخْرَى إِحْرَاقِهِمْ بِنَارِ جَهَنَّمَ (?) . {ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} أَيْ: إِلَى عَذَابِ جَهَنَّمَ يَخْلُدُونَ فِيهِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015