لِيُعْلِيَهُ وَيَنَصُرَهُ، {عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} عَلَى سَائِرِ الْأَدْيَانِ، {وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} .
وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ: فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْهَاءُ عَائِدَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ: لِيُعَلِّمَهُ شَرَائِعَ الدِّينِ كُلَّهَا فَيُظْهِرَهُ عَلَيْهَا حَتَّى لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْءٌ.
وَقَالَ الْآخَرُونَ: الْهَاءُ رَاجِعَةٌ إِلَى دِينِ الْحَقِّ، وَظُهُورُهُ عَلَى الْأَدْيَانِ هُوَ أَنْ لَا يُدَانَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَّا بِهِ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَالضَّحَّاكُ: وَذَلِكَ عِنْدَ نُزُولِ عِيسَى بن مَرْيَمَ لَا يَبْقَى أَهْلُ دِينٍ إِلَّا دَخَلَ في الإسلام. 156 / ب وَرَوَيْنَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نُزُولِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: "وَيَهْلَكُ فِي زَمَانِهِ الْمِلَلُ كُلُّهَا إِلَّا الْإِسْلَامَ" (?) وَرَوَى الْمِقْدَادُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا يَبْقَى عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ كَلِمَةَ الْإِسْلَامِ إِمَّا بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ ذُلِّ ذَلِيلٍ" (?) إِمَّا يُعِزُّهُمُ اللَّهُ فَيَجْعَلُهُمْ مِنْ أَهْلِهِ، فَيَعِزُّ بِهِ، أَوْ يُذِلُّهُمْ فَيَدِينُونَ لَهُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ سُلَيْمَانَ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْكَجِّيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ، هُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَذْهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى تُعْبَدَ اللَّاتُ وَالْعُزَّى"، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَعْدَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْكَ: "هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ". ثُمَّ قَالَ: "يَكُونُ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ تَعَالَى رِيحًا طَيِّبَةً، فَتَقْبِضُ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ، ثُمَّ يَبْقَى مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ، فَيَرْجِعُ النَّاسُ إِلَى دِينِ آبَائِهِمْ" (?) .
قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: مَعْنَى الْآيَةِ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ بِالْحُجَجِ الْوَاضِحَةِ.
وَقِيلَ: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الْأَدْيَانِ الَّتِي حَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَغْلِبَهُمْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَقَدْ أَظْهَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْأَدْيَانِ كُلِّهَا بِأَنْ أَبَانَ لِكُلِّ مَنْ سَمِعَهُ أَنَّهُ