بِاللَّهِ شَيْئًا فَاللَّهُ يَتَوَلَّاهُمْ بِنَصْرِهِ فَلَا يَضُرُّهُمْ عَدَاوَةُ من عاداهم 142/ب

{وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا} يَعْنِي الْأَصْنَامَ، {وَتَرَاهُمْ} يَا مُحَمَّدُ {يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ} يَعْنِي الْأَصْنَامَ، {وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنَ النَّظَرِ حَقِيقَةَ النَّظَرِ، إِنَّمَا الْمُرَادُ مِنْهُ: الْمُقَابَلَةُ، تَقُولُ الْعَرَبُ: دَارِي تَنْظُرُ إِلَى دَارِكَ، أَيْ: تُقَابِلُهَا. وَقِيلَ: وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ أَيْ: كَأَنَّهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: "وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى" (الْحَجِّ 2) ، أَيْ: كَأَنَّهُمْ سُكَارَى هَذَا قَوْلُ [أَكْثَرِ] (?) الْمُفَسِّرِينَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: "وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى" يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ لَا يَسْمَعُوا وَلَا يَعْقِلُوا ذَلِكَ بِقُلُوبِهِمْ، وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ بِأَعْيُنِهِمْ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ بِقُلُوبِهِمْ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {خُذِ الْعَفْوَ} قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنْ يَأْخُذَ الْعَفْوَ مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: خُذِ الْعَفْوَ يَعْنِي الْعَفْوَ مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ وَأَعْمَالِهِمْ مِنْ غَيْرِ تَجَسُّسٍ، وَذَلِكَ مِثْلُ قَبُولِ الِاعْتِذَارِ وَالْعَفْوِ وَالْمُسَاهَلَةِ وَتَرْكِ الْبَحْثِ عَنِ الْأَشْيَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَرُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجِبْرِيلَ: "مَا هَذَا؟ قَالَ لَا أَدْرِي حَتَّى أَسْأَلَهُ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: إِنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَكَ وَتَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ" (?) .

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَالسُّدِّيُّ والضحاك والكلبي: يعي خُذْ مَا عَفَا لَكَ مِنَ الْأَمْوَالِ وَهُوَ الْفَضْلُ عَنِ الْعِيَالِ، وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ: "يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ" (الْبَقَرَةُ-219) ، ثُمَّ نُسِخَتْ هَذِهِ بِالصَّدَقَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} أَيْ: بِالْمَعْرُوفِ، وَهُوَ كُلُّ مَا يَعْرِفُهُ الشَّرْعُ. وَقَالَ عَطَاءٌ: وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ يَعْنِي بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} أَبِي جَهْلٍ وَأَصْحَابِهِ، نَسَخَتْهَا آيَةُ السَّيْفِ. وَقِيلَ: إِذَا تَسَفَّهَ عَلَيْكَ الْجَاهِلُ فَلَا تُقَابِلْهُ بِالسَّفَهِ، وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ: "وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا" (الْفُرْقَانُ-63) ، وَذَلِكَ سَلَامُ الْمُتَارَكَةِ. قَالَ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ: أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ أَجْمَعُ لِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015