{وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ} يَعْنِي: الْقُرْآنَ {فَصَّلْنَاهُ} بَيَّنَّاهُ، {عَلَى عِلْمٍ} مِنَّا لِمَا يُصْلِحُهُمْ، {هُدًى وَرَحْمَةً} أَيْ: جَعَلْنَا الْقُرْآنَ هَادِيًا وَذَا رَحْمَةٍ، {لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} 130/ب
{هَلْ يَنْظُرُونَ} أَيْ: هَلْ يَنْتَظِرُونَ، {إِلَّا تَأْوِيلَهُ} قَالَ مُجَاهِدٌ: جَزَاءَهُ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: عَاقِبَتَهُ. وَمَعْنَاهُ: هَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مَا يَئُولُ إِلَيْهِ أَمْرُهُمْ، فِي الْعَذَابِ وَمَصِيرُهُمْ إِلَى النَّارِ. {يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} أَيْ: جَزَاؤُهُ وَمَا يَئُولُ إِلَيْهِ أَمْرُهُمْ، {يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} اعْتَرَفُوا بِهِ حِينَ لَا يَنْفَعُهُمُ الِاعْتِرَافُ، {فَهَلْ لَنَا} الْيَوْمَ، {مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ} إِلَى الدُّنْيَا، {فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} أَهْلَكُوهَا بِالْعَذَابِ، {وَضَلَّ} [وَبَطَلَ] (?) {عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}
{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُ الْعَالَمِينَ (54) }
قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} أَرَادَ بِهِ فِي مِقْدَارِ سِتَّةِ أَيَّامٍ لِأَنَّ الْيَوْمَ مِنْ لَدُنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى غُرُوبِهَا، وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ وَلَا شَمْسٌ وَلَا سَمَاءٌ، قِيلَ: سِتَّةُ أَيَّامٍ كَأَيَّامِ الْآخِرَةِ وَكُلُّ يَوْمٍ كَأَلْفِ سَنَةٍ. وَقِيلَ: كَأَيَّامِ الدُّنْيَا، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَادِرًا على خلق السموات وَالْأَرْضِ فِي لَمْحَةٍ وَلَحْظَةٍ، فَخَلَقَهُنَّ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ [تَعْلِيمًا] (?) لِخَلْقِهِ التَّثَبُّتَ وَالتَّأَنِّي فِي الْأُمُورِ وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "التَّأَنِّي مِنَ اللَّهِ وَالْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ" (?) .
{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} قَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ: اسْتَقَرَّ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: صَعَدَ. وَأَوَّلَتِ الْمُعْتَزِلَةُ الِاسْتِوَاءَ بِالِاسْتِيلَاءِ، وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ فَيَقُولُونَ: الِاسْتِوَاءُ عَلَى الْعَرْشِ صِفَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى، بِلَا كَيْفٍ، يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ الْإِيمَانُ بِهِ، وَيَكِلُ الْعِلْمَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَسَأَلَ رَجُلٌ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ عَنْ قَوْلِهِ: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) [طَهَ-5] ، كَيْفَ اسْتَوَى؟ فَأَطْرَقَ رَأْسَهُ مَلِيًّا، وَعَلَاهُ