قلوب الكفّار الذين كتب أَنْ لَا يُؤْمِنُوا مَنْ قَوْمِكَ.

[سورة الأعراف (7) : الآيات 102 الى 107]

وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ (102) ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103) وَقالَ مُوسى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (104) حَقِيقٌ عَلى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ (105) قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106)

فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (107)

وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ، أَيْ: وَفَاءً بِالْعَهْدِ الَّذِي عَاهَدَهُمْ يَوْمَ الْمِيثَاقِ، حِينَ أَخْرَجَهُمْ مِنْ صُلْبِ آدَمَ، وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ، [أَيْ: مَا وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ إلا فاسقين] [1] ناقضين للعهد.

قَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ، أَيْ: مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَهُودٍ وَصَالِحٍ وَشُعَيْبٍ، مُوسى بِآياتِنا، بأدلّتنا، إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَظَلَمُوا بِها، فَجَحَدُوا بِهَا. وَالظُّلْمُ: وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، فَظُلْمُهُمْ وَضَعَ الْكُفْرَ مَوْضِعَ الْإِيمَانِ، فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ، كيف فَعَلْنَا بِهِمْ.

وَقالَ مُوسى، لَمَّا دَخَلَ عَلَى فِرْعَوْنَ، يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ إِلَيْكَ، فَقَالَ فِرْعَوْنُ:

كَذَبْتَ، فَقَالَ مُوسَى: حَقِيقٌ عَلى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ، أَيْ: أَنَا خَلِيقٌ بِأَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ، فَتَكُونُ عَلى بِمَعْنَى الْبَاءِ كَمَا تقول [2] : رَمَيْتُ بِالْقَوْسِ وَرَمَيْتُ عَلَى الْقَوْسِ، وَجِئْتُ عَلَى حَالٍ حَسَنَةٍ وَبِحَالٍ حسنة، ويدلّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ أُبَيٍّ وَالْأَعْمَشِ «حَقِيقٌ بأن لا أقول» ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَعْنَاهُ حَرِيصٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ، وَقَرَأَ نَافِعٌ علي بتشديد الياء، أي وحق وَاجِبٌ عَلَيَّ أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ. قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ، يَعْنِي الْعَصَا، فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ، أَيْ:

أَطْلِقْ عَنْهُمْ وَخَلِّهِمْ يَرْجِعُونَ إِلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، وَكَانَ فِرْعَوْنُ قَدِ اسْتَخْدَمَهُمْ فِي الْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ مِنْ ضَرْبِ اللَّبِنِ وَنَقْلِ التُّرَابِ وَنَحْوِهِمَا، فَقَالَ فِرْعَوْنُ مُجِيبًا لِمُوسَى:

قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106) .

فَأَلْقى مُوسَى عَصاهُ مِنْ يَدِهِ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ، وَالثُّعْبَانُ: الذَّكَرُ الْعَظِيمُ مِنَ الْحَيَّاتِ، فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ كَأَنَّها جَانٌّ [النَّمْلُ: 10] ، وَالْجَانُّ الْحَيَّةُ الصَّغِيرَةُ؟ قِيلَ: إِنَّهَا كَانَتْ كَالْجَانِّ فِي الْحَرَكَةِ وَالْخِفَّةِ، وَهِيَ فِي جُثَّتِهَا [3] حَيَّةٌ عَظِيمَةٌ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيُّ: إِنَّهُ لَمَّا أَلْقَى الْعَصَا صَارَتْ حَيَّةً عَظِيمَةً صَفْرَاءَ شَعْرَاءَ فَاغِرَةً فاها بين لحييها ثمانون ذراعا ارتفعت مِنَ الْأَرْضِ بِقَدْرِ مِيلٍ، وَقَامَتْ لَهُ عَلَى ذَنَبِهَا وَاضِعَةً لِحْيَهَا الأسفل في الأرض ولحيها الأعلى عَلَى سُورِ الْقَصْرِ، وَتَوَجَّهَتْ نَحْوَ فِرْعَوْنَ لِتَأْخُذَهُ. وَرُوِيَ أَنَّهَا أَخَذَتْ قُبَّةَ فِرْعَوْنَ بَيْنَ نَابَيْهَا فَوَثَبَ فِرْعَوْنُ مِنْ سَرِيرِهِ هَارِبًا وَأَحْدَثَ، وقيل:

أَخَذَهُ الْبَطْنُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَرْبَعَمِائَةِ مَرَّةٍ، وَحَمَلَتْ عَلَى النَّاسِ فَانْهَزَمُوا وَصَاحُوا وَمَاتَ مِنْهُمْ خَمْسَةٌ وعشرون ألفا وقتل بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَدَخَلَ فِرْعَوْنُ الْبَيْتَ وَصَاحَ: يَا مُوسَى أُنْشَدُكَ بِالَّذِي أرسلك خذها وأنا أومن بِكَ وَأُرْسِلُ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَخَذَهَا مُوسَى فَعَادَتْ عَصَا كَمَا كَانَتْ، ثُمَّ قَالَ فِرْعَوْنُ: هَلْ مَعَكَ آيَةٌ أُخْرَى؟ قَالَ: نَعَمْ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015