فَاطِرٍ: هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ [فَاطِرٌ: 3] ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِرَفْعِ الرَّاءِ عَلَى التَّقْدِيمِ، تَقْدِيرُهُ: مَا لَكَمَ غَيْرُهُ مِنَ إِلَهٍ، إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ، إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا، عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ.
قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ، خَطَأٍ وَزَوَالٍ عَنِ الْحَقِّ، مُبِينٍ، بَيِّنٍ.
قالَ نُوحٌ: يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ، وَلَمْ يَقُلْ لَيْسَتْ، لِأَنَّ مَعْنَى الضَّلَالَةِ الإضلال [1] ، أَوْ عَلَى تَقْدِيمِ الْفِعْلِ، وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ.
أُبَلِّغُكُمْ، قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو: أُبَلِّغُكُمْ بِالتَّخْفِيفِ حَيْثُ كَانَ مِنَ الْإِبْلَاغِ، لِقَوْلِهِ: لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ [الْأَعْرَافُ: 79- 93] ، رِسالاتِ رَبِّي، لِيَعْلَمَ أَنَّ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّشْدِيدِ مِنَ التَّبْلِيغِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ [الْمَائِدَةُ: 67] ، رِسَالَاتِ رَبِّي، وَأَنْصَحُ لَكُمْ، يُقَالُ: نَصَحْتُهُ وَنَصَحْتُ لَهُ، وَالنُّصْحُ أَنْ يُرِيدَ لِغَيْرِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يُرِيدُ لِنَفْسِهِ، وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ، أن عقابه [2] لَا يُرَدُّ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ.
أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63) فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ (64) وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (65) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ (66) قالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (67)
أَوَعَجِبْتُمْ، أَلْفُ اسْتِفْهَامٍ دَخَلَتْ عَلَى وَاوِ الْعَطْفِ، أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: مَوْعِظَةٌ. وَقِيلَ: بَيَانٌ. وَقِيلَ: رِسَالَةٌ. عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ، عَذَابَ اللَّهِ إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا، وَلِتَتَّقُوا، أَيْ: لِكَيْ تَتَّقُوا اللَّهَ، وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ، لِكَيْ تُرْحَمُوا.
فَكَذَّبُوهُ، يَعْنِي: كَذَّبُوا نُوحًا، فَأَنْجَيْناهُ، مِنَ الطُّوفَانِ، وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ، فِي السَّفِينَةِ، وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ، أَيْ: كُفَّارًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَمِيَتْ قُلُوبُهُمْ عَنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: عَمُوا عَنِ الْحَقِّ وَالْإِيمَانِ، يُقَالُ: رِجْلٌ عَمٍ عَنِ الْحَقِّ وَأَعْمَى فِي الْبَصَرِ. وَقِيلَ: الْعَمِيُّ وَالْأَعْمَى كَالْخَضِرِ وَالْأَخْضَرِ. قَالَ مقاتل [3] : عموا عن نزول العذاب وَهُوَ الْغَرَقُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً، أَيْ: وَأَرْسَلْنَا إِلَى عَادٍ، وَهُوَ عَادُ بْنُ عَوْصِ بْنِ إِرَمِ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهِيَ عَادٌ الْأُولَى أَخاهُمْ فِي النَّسَبِ لَا فِي الدِّينِ، هُوداً وَهُوَ هُودُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحِ بْنِ الْجلودِ بْنِ عَادِ بْنِ عَوْصٍ، وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: هود بن شَالِخِ بْنِ أَرْفَخَشْذَ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ، قالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ، أَفَلَا تخافون.
قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ، يَا هُودُ، فِي سَفاهَةٍ، فِي حُمْقٍ وَجَهَالَةٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما: تدعو إلى دين لا تعرفه، وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ، أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْنَا.
قالَ هُودٌ: يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ.