مُتَمَرِّدٍ مِنَ الْإِنْسِ وَهُوَ شَيْطَانُ الْإِنْسِ فَأَغْرَاهُ بِالْمُؤْمِنِ لِيَفْتِنَهُ.
«888» يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هل تعوّذت بالله من شرّ شياطين الجن والإنس» ؟ قلت: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهَلْ لِلْإِنْسِ مِنْ شَيَاطِينَ؟ قَالَ: «نَعَمْ، هُمْ شَرٌّ مِنْ شَيَاطِينِ الْجِنِّ» .
وَقَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: إِنَّ شَيَاطِينَ الْإِنْسِ أَشَدُّ عَلَيَّ مِنْ شَيَاطِينِ الْجِنِّ، وَذَلِكَ أَنِّي إِذَا تَعَوَّذْتُ بالله ذهب عني شياطين الْجِنِّ، وَشَيْطَانُ الْإِنْسِ يَجِيئُنِي فَيَجُرُّنِي إِلَى الْمَعَاصِي عِيَانًا. قَوْلُهُ تَعَالَى: يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ، أَيْ: يُلْقِي، زُخْرُفَ الْقَوْلِ، وَهُوَ قَوْلٌ مموّه مزيّن مزخرف بِالْبَاطِلِ لَا مَعْنَى تَحْتَهُ، غُرُوراً، يعني: هؤلاء الشَّيَاطِينِ يُزَيِّنُونَ الْأَعْمَالَ الْقَبِيحَةَ لِبَنِي آدم، ويغرونهم غُرُورًا، وَالْغُرُورُ: الْقَوْلُ الْبَاطِلُ، وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ، أَيْ: ما ألقوه مِنَ الْوَسْوَسَةِ فِي الْقُلُوبِ، فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ.
وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ، أَيْ: تَمِيلُ إِلَيْهِ، وَالصَّغْوُ: الْمَيْلُ، يُقَالُ: صَغْوُ فُلَانٍ مَعَكَ، أَيْ: مَيْلُهُ، وَالْفِعْلُ مِنْهُ: صَغَى يُصْغِي، صَغًا وصغى يصغى، ويصغو صغو، وَالْهَاءُ [فِي إِلَيْهِ] [1] رَاجِعَةٌ إِلَى زُخْرُفِ الْقَوْلِ، وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا، لِيَكْتَسِبُوا، مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ، يُقَالُ: اقْتَرَفَ فُلَانٌ مَالًا إِذَا اكْتَسَبَهُ، وَقَالَ تَعَالَى: وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً [الشُّورَى: 23] ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ لِيَعْمَلُوا مِنَ الذنوب ما هم عاملون.
أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114) وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لَا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (116) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (117)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَفَغَيْرَ اللَّهِ فِيهِ إِضْمَارٌ، أَيْ: قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ أَفَغَيْرَ اللَّهِ، أَبْتَغِي، أَطْلُبُ حَكَماً، قَاضِيًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ حَكَمًا فَأَجَابَهُمْ بِهِ، وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلًا، مُبَيَّنًا فِيهِ أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ، يَعْنِي: الْقُرْآنَ، وَقِيلَ: مُفَصَّلًا أَيْ خَمْسًا خَمْسًا وعشرا عشرا كَمَا قَالَ: لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ [الْفُرْقَانَ: 32] ، وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ، يَعْنِي: عُلَمَاءَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ، وَقِيلَ: هُمْ مُؤْمِنُو أَهْلِ الْكِتَابِ، وَقَالَ عَطَاءٌ: هُمْ رؤوس أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمُرَادُ بِالْكِتَابِ هُوَ الْقُرْآنُ، يَعْلَمُونَ أَنَّهُ، يعني: القرآن مُنَزَّلٌ، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَفْصٌ: مُنَزَّلٌ، بِالتَّشْدِيدِ مِنَ التَّنْزِيلِ لِأَنَّهُ أُنْزِلَ نُجُومًا مُتَفَرِّقَةً، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّخْفِيفِ مِنَ الْإِنْزَالِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ، مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا