القرآن، وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ، أَيْ: لَا تُعْرِضْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ، لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ: أَيْ سَبِيلًا وَسُنَّةً، فَالشِّرْعَةُ وَالْمِنْهَاجُ الطَّرِيقُ الْوَاضِحُ، وَكُلُّ مَا شَرَعَتْ فِيهِ فَهُوَ شَرِيعَةٌ وَشِرْعَةٌ، وَمِنْهُ شَرَائِعُ الْإِسْلَامِ لِشُرُوعِ أهلها فيه، وَأَرَادَ بِهَذَا أَنَّ الشَّرَائِعَ مُخْتَلِفَةٌ، وَلِكُلِّ أَهْلِ مِلَّةٍ شَرِيعَةٌ، قَالَ قَتَادَةُ: الْخِطَابُ لِلْأُمَمِ الثَّلَاثِ أُمَّةِ مُوسَى وَأُمَّةِ عِيسَى وَأُمِّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِمْ أجمعين، فالتوراة شريعة والإنجيل شريعة والقرآن شَرِيعَةٌ، وَالدِّينُ وَاحِدٌ وَهُوَ التَّوْحِيدُ. وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً، أَيْ: عَلَى مِلَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ، لِيَخْتَبِرَكُمْ، فِي مَا آتاكُمْ، مِنَ الْكُتُبِ وَبَيَّنَ لَكُمْ مِنَ الشَّرَائِعِ، فَيَتَبَيَّنُ [1] الْمُطِيعُ مِنَ المعاصي وَالْمُوَافِقُ مِنَ الْمُخَالِفِ، فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ، فَبَادِرُوا إِلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ.
وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ، إليك وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: قَالَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ [2] وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صُورِيَّا وَشَاسُ بْنُ قَيْسٍ مِنْ رُؤَسَاءِ الْيَهُودِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: اذْهَبُوا بِنَا إِلَى مُحَمَّدٍ لَعَلَّنَا نَفْتِنُهُ عَنْ دِينِهِ، فَأَتَوْهُ فَقَالُوا:
يَا مُحَمَّدُ، قَدْ عَرَفْتَ أَنَّا أَحْبَارُ الْيَهُودِ وَأَشْرَافُهُمْ وَأَنَّا إِنِ اتَّبَعْنَاكَ لَمْ يُخَالِفْنَا الْيَهُودُ، وَإِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ النَّاسِ خُصُومَاتٍ فَنُحَاكِمُهُمْ إِلَيْكَ فَاقْضِ لَنَا عَلَيْهِمْ نُؤْمِنُ بِكَ، وَيَتْبَعُنَا غَيْرُنَا وَلَمْ يَكُنْ قَصْدُهُمُ الْإِيمَانَ، وَإِنَّمَا كَانَ قَصْدُهُمُ التَّلْبِيسَ وَدَعْوَتَهُ إِلَى الْمَيْلِ فِي الْحُكْمِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ [هَذِهِ] [3] الْآيَةَ، فَإِنْ تَوَلَّوْا، أَيْ:
أَعْرَضُوا عَنِ الْإِيمَانِ وَالْحُكْمِ بِالْقُرْآنِ، فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ، أَيْ: فَاعْلَمْ أَنَّ إِعْرَاضَهُمْ مِنْ أَجْلِ أَنَّ اللَّهَ يُرِيدُ أَنْ يُعَجِّلَ لَهُمُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ، وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ، يَعْنِي: الْيَهُودَ، لَفاسِقُونَ.
أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ تَبْغُونَ بِالتَّاءِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ، أَيْ: يَطْلُبُونَ، وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ.
[سورة المائدة (5) : الآيات 51 الى 52]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ (52)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ، اخْتَلَفُوا فِي نِزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ وإن كان حكمها عاما