النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَعَطَاءٍ وَقَتَادَةَ، وَقَالَ قَوْمٌ: يَجِبُ عَلَى حَاكِمِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ. وَالْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ نَسَخَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ [الْمَائِدَةِ: 49] ، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ، وَرَوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ: لَمْ يُنْسَخْ مِنَ الْمَائِدَةِ إِلَّا آيَتَانِ، قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ [المائدة: 2] ، نَسَخَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ [التوبة: 5] ، وقوله: فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ، نَسَخَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ، وأما إِذَا تَحَاكَمَ إِلَيْنَا مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ فَيَجِبُ عَلَيْنَا الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا لَا يَخْتَلِفُ الْقَوْلُ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ الِانْقِيَادُ لِحُكْمِ أَهْلِ الذِّمَّةِ. قَوْلُهُ: وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ، أَيْ: بِالْعَدْلِ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ، أَيِ: الْعَادِلِينَ.

«798» وَرُوِّينَا [1] عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «الْمُقْسِطُونَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نور» .

[سورة المائدة (5) : آية 43]

وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43)

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ، هَذَا تَعْجِيبٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيهِ اخْتِصَارٌ، أي: وكيف يَجْعَلُونَكَ حَكَمًا بَيْنَهُمْ فَيَرْضَوْنَ بِحُكْمِكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ؟ فِيها حُكْمُ اللَّهِ، وَهُوَ الرَّجْمُ، ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ، أي: بمصدّقين لك.

[سورة المائدة (5) : آية 44]

إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (44)

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا، أَيْ: أَسْلَمُوا وَانْقَادُوا لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا أَخْبَرَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (131) [الْبَقَرَةِ: 131] ، وَكَمَا قَالَ: وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً [آلِ عِمْرَانَ: 83] ، وَأَرَادَ بِهِمُ النَّبِيِّينَ الَّذِينَ بُعِثُوا مِنْ بَعْدِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لِيَحْكُمُوا بِمَا فِي التَّوْرَاةِ، وَقَدْ أَسْلَمُوا لِحُكْمِ التَّوْرَاةِ وَحَكَمُوا بِهَا، فَإِنَّ مِنَ النَّبِيِّينَ مَنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ مِنْهُمْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً [الْمَائِدَةِ: 48] ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَالسُّدِّيُّ: أَرَادَ بِهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَمَ عَلَى الْيَهُودِ بِالرَّجْمِ، ذُكِرَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ كَمَا قَالَ: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً [النَّحْلِ:

120] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: لِلَّذِينَ هادُوا، قِيلَ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ تَقْدِيرُهُ: فِيهَا هُدًى وَنُورٌ لِلَّذِينِ هَادَوْا ثُمَّ قَالَ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ، وَقِيلَ: هُوَ عَلَى مَوْضِعِهِ، وَمَعْنَاهُ: يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا عَلَى الَّذِينَ هَادَوْا كَمَا قَالَ: وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها [الإسراء: 7] ، أي: فعليها، وكما قال: أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ [الرَّعْدِ: 25] ، [أَيْ: عَلَيْهِمْ] [2] ، وَقِيلَ: فِيهِ حَذْفٌ كَأَنَّهُ قَالَ: لِلَّذِينِ هَادَوْا وَعَلَى الَّذِينَ هَادَوْا فَحَذَفَ أَحَدَهُمَا اخْتِصَارًا. وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ، يَعْنِي: الْعُلَمَاءَ، وَاحِدُهُمْ [3] حَبْرٌ، وَحِبْرٌ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا، وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ، وَهُوَ الْعَالِمُ الْمُحْكِمُ لِلشَّيْءِ [4] ، قَالَ الْكِسَائِيُّ وَأَبُو عبيدة: هو من الحبر الذي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015